هيثم كابو

الحيطة القصيرة


* ثمة تساؤلات منطقية تبحث عن إجابات تفكك حيرة علامات استفهامها كلما تحدث الناس عن أهمية قبول النقد وضرورة سماع الرأي الآخر: هل نحن بطبعنا نتقبَّل النقد بصدر رحب – كما نزعم – ونبحث عن شيء من النُصح بين السطور المكتوبة؛ أم أن تركيبتنا العصبية والسايكلوجية ضد تقبُّل النقد ومُصمَّمة على رفض الإرشاد و(قبول النصيحة)..؟؟ إلي أي مدى يمكن أن يكون النقد حاداً وحارقاً ومرفوضاً كفكرة عند الكثيرين وإن أظهروا للناس عكس ذلك؟.. وهل وصلنا لدرجة كافية من الوعي تجعلنا نعي حقيقة أن مجرد الكتابة عنك (سلباً أو إيجاباً) هي اعتراف ضمني بوجودك وإضافة لك، وأن تغييبك عن المشهد الصحافي والإعلامي عقوبة قاتلة خاصة وأننا نعيش في عصر يحمل أصحابه (ذاكرة مثقوبة) تحفظ الأسماء بسرعة وتُسقطها بضِعف تلك السرعة التي حملتها بها..؟؟ كم هو عدد السياسيين واللاعبين والمسؤولين والإعلاميين والفنانين (الأذكياء) الذين يعرفون قيمة الحديث عنهم وإثارتهم للجدل والنقاش حول أفكارهم ومواقفهم وتكثيف التعاطي مع وجهات نظرهم وآرائهم..؟؟ وهل هناك من يستفيد مما يُكتب عنه فيجادل هذا بحب ويختلف مع ذاك بوُد ويسعى كل طرف لترسيخ لرؤيته وإقناع الآخرين بها..؟!.
* الملاحظ أن حساسية السياسيين في تقبل النقد أعلى من غيرهم وإن حاولوا أحياناً التظاهر بغير ذلك، ودائماً (المؤامرة) عندهم حاضرة والاتهام بالعمل وفق أجندة شخصية لتصفية حسابات أو الكتابة وقيادة حملات لصالح أفراد ومجموعات وكيانات سياسية..!!
* بحكم تجربتي مع الصحافة الفنية وأهل الفن التي امتدت لسنوات طوال لاحظت بعض النقاط التي سبقت أن تحدثت عنها تعليقاً حول هذه الأزمة المفاهيمية يأتي على صدر قائمتها أنك إذا أشدت بفنان ما في أغنية معينة وقلت إن كلماتها الرصينة أعجبتك ولحنها الآسر خطف انتباهك والأداء أضفى عليها بُعداً جمالياً نافس الكلمة واللحن.. فسيحدث الآتي: (اتصال هاتفي من الفنان أو الفنانة منذ التاسعة صباحا يشكرك فيه على فهمك العميق وثقافتك الفنية (الخطيرة) ورؤيتك (التي لا يمكن لأحد أن يصل لها) وسيتغزل ذلكم الفنان في قلمك ومقالاتك في جلساته المختلفة وستكون عنده مثالاً للنزاهة والأمانة والمهنية والفهم المتقدم والصحافة الرصينة و(… و….!!)، وذات الفنان إذا دارت دورة الأيام وانتقدت أغنية من أعماله وقلت إن كلماتها ركيكة أو مستهلكة أو مكررة واللحن أكثر من عادي – ناهيك أن تقول هابطة – بينما جاء الأداء جنائزياً وفاتراً ومنزوع الإحساس، فإنه لن يرجع للاستماع للأغنية لاحتمالية أن تكون رؤيتك صائبة و(خطيرة) مثلما حدث في المرة الفائتة، بل سيترك كل ما كتبته ويبدأ في الحديث عن عدم مهنيتك وضعفك الصحافي وفقدانك للقدرة على استيعاب الأغنية وعجزك عن قراءتها فنياً والتعاطي معها، وسيعمل على (شيل حسك) في أي جلسة تجمعه بمستمع أو فنان أو إعلامي أو.. أو .. أو و(الذاكرة المثقوبة) ستجعله ينسى غزله القديم في كتاباتك ما بين طرفة عين وانتباهتها وستصبح فجأة في نظره (كاتبا بلا ضمير) و(قلما غير مؤهل ولا مستنير)..!!
* لماذا نحن دائماً بصفة عامة كالمد عند حاجاتنا وكالجزر عند حاجات الآخرين؟..!!
* الملاحظ أيضاً أن كثيرا من الناس بالذات في المشهد السياسي والإعلامي يتركون (النقد المكتوب) ويركزون على (كاتب النقد)، وهذه إشكالية أخرى..!!
* من زاوية أخرى لا بد من الاعتراف أيضاً بأن بعض الأقلام المحسوبة على الصحافة عموماً والتي ولجت من الأبواب الخلفية في غفلة من (الرقيب المهني) تكتب حروفها الصدئة بدوافع (شخصانية) وتبني مقالاتها الفطيرة والعقيمة على طريقة (هذا يروق لي وذاك لا يعجبني!!)، وهؤلاء يمثلون وصمة عار في جبين المهنة ولابد أن يجتهد (رفاق القلم) لتطهير الوسط منهم (فالخير يخص.. والشر يعم)..!!
* الغريب حقاً أن هناك من يدلون بتصريحات ساخنة أو مثيرة أو جريئة وما إن يعلِّق عليها كاتب حتى تبدأ رحلة (التملُّص المُخزي) منها، بل يمضي أحدهم إلى أبعد من ذلك وهو يسعى لإقناعك بأنه لم يقل هذا الحديث وأن (المحرر) أساء الفهم فالمحرر رغم وجوده في الدائرة المعنية طوال الوقت إلا أنه بالنسبة لهم (الحيطة القصيرة).. وإذا شعر المسؤول بأنك واضح ومُصِر وصريح وواجهته بالحقيقة التي قد تكون مسجلة، فسيحاول الالتفاف حول ما قاله، وسيعمل جاهداً من أجل (إقناعك جدلاً) بأنه قال حديثاً ربما لم يستطع إيضاحه أو التعبير عنه بالشكل المناسب أو أن الناس لم يستوعبوه بالصورة الحقيقية، ناسياً أنه (إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة، فإن فساد الرأي أن تترددا).
نفس أخير
* ولنردد مع الكروانة لطيفة:
الحقيقة ساعات بتجرح.. بس أريح
وأنت لو ريحت قلبي بتستريح!