حيدر المكاشفي

ديمقراطيون عند اللزوم


إنني والله لأعجب من هؤلاء الرهط من قومي الذين أخذتهم الحمية على الديمقراطية التركية، رغم أنهم كانوا قد أجهزوا على الديمقراطية السودانية، أما مصدر عجبي فهو على هؤلاء المزايدين الذين تباكوا من قبل على ديمقراطية مصر بدموع التماسيح وتحمسوا لمناصرة الرئيس مرسي، وها هم الآن يدينون بأقوى العبارات الانقلاب الفاشل في تركيا بل ويسيرون المسيرات مؤازرة لأردوغان، بينما هم للعجب من كانوا قد انقضوا بليل على ديمقراطية السودان وقضوا عليها، ومن بعد ذلك عضوا على الحكم بالنواجذ حتى كادوا أن يجعلوا منه ملكاً عضوداً، وكأني بهم يتمثلون مقولة معاوية عند دخوله الكوفة بعد مقتل الإمام علي وتسليم ابنه الحسن عليهما السلام، ووقوفه خطيباً في الناس قائلاً (إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا، إنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون)، فهل من كان هذا موقفه من الديمقراطية، ضيقاً منها وزراية بها في بلده لدرجة دفعته للإطاحة بالنظام الديمقراطي القائم والزج برموزه الذين جاءوا للسلطة عبر الديمقراطية وصناديق الاقتراع في السجون، هل لمثل هذا وجه يدافع به عن الديمقراطية في أي مكان كانت، لولا أنها جرأة على الحق وقوة عين لا تعرف الخجل، وهل يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه. إنها والله مفارقة غريبة أن تنهي عن خلقٍ في بلد غيرك وتأتي مثله في بلدك، اللهم إلا أن تكون ديمقراطيتهم التي يعنونها هي ديمقراطية القذافي التي يقول تعريفه لها حسب الطرفة، إن الديمقراطية (Democracy) معناها بالعربي ديموكراسي أي ديمومة الجلوس على الكراسي..
ليس من أغراضي هنا أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد للتطورات الجارية الآن بتركيا، إذ إن غرضي منصب تماماً على هؤلاء الذين يريدون أن يجعلوا الديمقراطية مثل قميص عثمان، يقتلونها ولا يستحوا أن يلوّحوا بقميصها رغم ما عليه من آثار دمائها، وذلك مثل وقفتهم مع ديمقراطية تركيا التي يرجون لها الاستدامة والاستقرار ويخشون عليها من الانقلابات ويصدرون من أجل حمايتها الفتاوى والبيانات، يفعلون ذلك مع تركيا وأردوغان وكأنهم كانوا حريصين على ديمقراطية بلدهم وتعهدوها بالرعاية والحماية لتتطور وتزدهر بتراكم الخبرات والتجارب، لكنهم للأسف لم يتركوا حتى الحكومة المنتخبة تكمل دورتها، وإنما حشدوا حشدهم الانقلابي وليس الانتخابي، وأطاحوا بالحكومة والديمقراطية معاً، وقفزوا إلى السلطة عبر صناديق الذخيرة وليس صناديق الاقتراع.. هذه والله ديمقراطية زائفة وهؤلاء ديمقراطيون مزيفون يتعاطون الديمقراطية كتعاطيهم للدواء المسكن عند اللزوم..