تحقيقات وتقارير

خارطة الطريق … ما بين تأكيدات التوقيع وتمسك المعارضة بـ(ملحقها)


لا تزال الهزات الارتدادية لمخرجات اجتماعات تحالف (نداء السودان) في “باريس” التي اختتمت أعمالها (الجمعة) الماضية تضرب سوح المعارضة السودانية، خاصة في ما يلي ما أوردته إحدى فقرات البيان الختامي حول إمكانية توقيع (قوى النداء) على خارطة الطريق التي (رسمها) الوسيط الأفريقي “ثابو أمبيكي”، ويبدو أن هذه الهزات تجاهلت ـ حسب رأي بعض المجتمعين في “باريس” ـ ما أوردته ذات الفقرة أعلاه عن (مستجدات إيجابية) في الاستجابة لما طرحته قوى النداء حول الخارطة، وهو ما تجلى في مسارعة بعض فصائل المعارضة لدمغ أطراف اجتماعات “باريس” بالسعي والهرولة لإجراء تسوية سياسية مع النظام، لتتحول المعركة من معركة بين المعارضة والحكومة إلى تراشق بين قوى المعارضة فيما بينها على خلفية الموقف من خارطة الطريق المفضية إلى حوار متكافئ ـ حسب أهل باريس ـ أو إلى تسوية دون استحقاقاتها الوطنية في رأي بعض قوى الإجماع الوطني. فأي الطريقين أقرب أن تسلكه قافلة الأزمة السودانية ؟
جدل (المستجدات)
صبيحة ختام اجتماعات “باريس” وصدور بيانها الختامي، طارت الأخبار وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بنبأ عزم قوى (نداء السودان) التوقيع على خارطة الطريق التي رفضت التوقيع عليها قبل أشهر ووقعت عليها الحكومة منفردة في “أديس أبابا”. وكان الاعتماد الأساسي في الوصول لهذه الفرضية على هذه الفقرة من البيان الختامي لاجتماعات “باريس” (بشأن خارطة الطريق حدثت مستجدات إيجابية في الاستجابة لما طرحته قوى نداء السودان حولها، عبر مراسلات ومقابلات مباشرة مع الآلية الأفريقية الرفيعة والاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي والإقليمي، هذه المستجدات ستبحث في لقاء مع الرئيس أمبيكي يجري التحضير له، بما يمهد للتوقيع على خارطة الطريق التي يتم بموجبها عقد الاجتماع التحضيري وإطلاق العملية السلمية المتكافئة التي تؤدي لوقف الحرب وإشاعة الحريات وبحث بقية استحقاقات الحوار الوطني المنتج). ما ورد في هذه الفقرة حول تمهيد المستجدات التي طرأت للتوقيع على خارطة الطريق كانت الكلمات المفتاحية لخروج وسائل الإعلام مبشرة بقرب توقيع المعارضة على الخارطة، ويبدو جلياً أن التفسير لهذا البيان بأنه إعلان عن التوقيع لا يعتمد على كلمات البيان في حد ذاته بقدر ما كانت تغذيه توقعات مسبقة برضوخ قوى نداء السودان للضغوط الدولية والإقليمية التي تحاول الدفع بها للتوقيع، ولكن قوى النداء لها رأي آخر، وهي تستنكر وصول بعض رصفائها للمعارضة وبعض وسائل الإعلام لهذه النتيجة، وقد حاول جاهداً رئيس حزب المؤتمر السوداني “عمر الدقير” أحد أطراف اجتماعات “باريس” تجلية اللبس حول البيان الختامي للاجتماعات وتحديداً حول (المستجدات الإيجابية) بشأن خارطة الطريق التي تحدث عنها، مشيراً إلى أن المقصود بها تغيير موقف الآلية الأفريقية من المطالب التي طرحتها قوى نداء السودان حتى تقبل خارطة الطريق، لافتاً إلى أنها هي المطالب المضمنة في مقترح مذكرة التفاهم التي قدمتها قوى النداء الشهر الماضي ورفضتها الآلية في حينها، مؤكداً أن الآلية عادت وغيرت موقفها من خلال خطاب مرسل لقوى النداء من “أمبيكي”… وعبر اتصال مباشر من كبير مساعديه. وذات التوضيحات أرسلها إمام الأنصار رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي عبر (راديو دبنقا) المقرب من المعارضة، وكلها تصب في خانة تأكيد قوى (نداء السودان) على تمسكها بمواقفها المعلنة من خارطة الطريق ومن استحقاقات الحوار الوطني، ورهن التوقيع على الخارطة بقبول الملحق الذي تقدمت به.
نيران صديقة
وتأتي هذه التأكيدات المبذولة من قبل (قوى النداء) في مواجهة العواصف العنيفة التي أثارها في وجهها بعض حلفائها في قوى الإجماع الوطني، فقد نقلت صحف الخرطوم بالأمس ما يبدو أنه تسريب لاجتماع خاص بالحزب الشيوعي أحد مكونات قوى الإجماع الذي أبدى مؤخراً تحفظاً على نداء السودان، جاء في الاجتماع ـ حسب الصحف ـ اتهام صريح لحزب الأمة القومي والحركة الشعبية قطاع الشمال بعزمهما التوقيع على خارطة الطريق، دون التطرق لبقية مكونات النداء. ورجح الشيوعي أن قوى النداء بدأت السير في طريق ما أسماه (التسوية السياسية مع النظام)، مقراً أن المعارضة تواجه ضغوطاً أمريكية للتوقيع على خارطة الطريق. وليس الشيوعي وحده ولكن عدد من قوى الإجماع على رأسها حزب البعث بقيادة “علي الريح السنهوري”الذي ظل رافضاً منذ البداية لنداء السودان، ووجد ضالته الآن في توجيه الضربة القاضية لمصداقية قوى النداء بتأكيد ما ظل يردده بأن نداء السودان مصمم في الأساس لإنجاز التسوية السياسية مع النظام. ولم تكن قبضة البعث الموجهة لصفع قوى النداء تمر دون ضربة مضادة من قبل خصومهم الألد، الحركة الشعبية، والتي سارعت عبر أحد قياداتها لشن هجوم لاذع على البعث الذي اتهمته بأنه حليف أقرب للنظام منه للمعارضة، وأنه يعمل جاهداً لتأخير ومنع التغيير الذي تسعى له قوى النداء ولتخذيل قوى المعارضة. وأشار التعميم الذي بعث به القيادي بالحركة “مبارك أردول” تلميحاً إلى موقف البعث العنصري من قوى نداء السودان الذي أشار إلى أنه تأسس على التنوع السياسي والديني والاثني، مذكراً أن حزب البعث يقوم في الأساس على حراسة ما سماها (بوابة القومية العربية).
الملحق ..طوق النجاة
لا تزال قوى المعارضة ما لم يتكاثف الضغط الأجنبي ويؤتي أكله تعلن تمسكها بالملحق الذي تقدمت به الشهر الماضي، وهي ضغوط تتوقع الحكومة نجاحها في حمل المعارضة حملاً على التوقيع. ومن قبل أشار إليها “الصادق المهدي” بأن الحوار مطلب دولي وإقليمي. وتتمثل مطالب الملحق في أن تبدأ عملية الحل السياسي باجتماع تحضيري في “أديس أبابا” لمناقشة وقف الحرب وفتح مسارات الإغاثة، بجانب بقية شروط تهيئة المناخ المتمثلة في إلغاء القوانين المقيدة للحريات وإخلاء السجون من السجناء السياسيين، وأن يناقش التحضيري المسائل الإجرائية للحوار وأجندته، وأن يتعهد جميع الأطراف بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني عبر حكومة انتقالية تمثل الجميع .
وأكد “عمر الدقير” أنه بناءً على المستجدات التي أعلنت عنها اجتماعات “باريس” أبدت الآلية الأفريقية الرفيعة رغبتها في الاجتماع مع نداء السودان. وشدد “الدقير” على أن توقيع المعارضة على خارطة الطريق مرهون بنتيجة اجتماع نداء السودان مع “أمبيكي” حول المطالب التي تتمسك بها المعارضة والتي وصفها بأنها ” مطالب موضوعية”. وقال (أؤكد أن دخول قوى النداء في عملية الحوار مع النظام رهين بحدوث اتفاق حول القضايا المطروحة في الاجتماع التحضيري).
ما بين الضغوط الدولية والإقليمية ورغبتها في الوصول لمعالجة للأزمة السودانية ورغبة قوى دولية في استمرار التحالف الذي طرأ مؤخراً مع النظام السوداني في قضايا مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وبين اضطرار طرفي الأزمة في الحكومة والمعارضة لتقديم تنازلات تنهي الأزمة تحبس الساحة السودانية أنفاسها في انتظار مولود الحل السياسي السلمي الذي طال انتظاره.

المجهر


تعليق واحد

  1. نداء السودان. الإجماع الوطني. 7+ 7. 4+4. تحالف المعارضه. كلو تحصيل حاصل. و تاني يرجعو المربع الأول ولا يزال المواطن يعاني الأنقسامات