جعفر عباس

لاعب القمار حمار لا يتعلم بالتكرار


هناك آفة اجتماعية لا نلتفت إليها كثيراً لأن من يعانون منها يمارسونها في الخفاء، أعني القمار.. الميسر.. ولا أقصد كازينوهات القمار في أوروبا وآسيا التي يغشاها الكثيرون من جماعتنا وربعنا، بل أقصد من يمارسون القمار في بيوت معينة في مختلف المدن العربية، فهناك شلل تلتقي بانتظام في أيام معينة في هذا البيت أو ذاك للعب الميسر ويكون عادة باستخدام أوراق اللعب المعروفة باسم الكوتشينة (الجنجفة أو الزنجفة في بعض دول الخليج).
والقمار مرض و(إدمان). نعم فهناك أناس يستمتعون بالتوتر والترقب ويسعدهم أن أجسامهم تضخ الأدرنالين فيحسون بالانتشاء. ألا ترى كيف يقود بعض من تحسبهم عقلاء سياراتهم وكأنها كرة يراوغون بها الخصوم؟ وقد يصعدون بها ويهبطون في تلال شديدة الانحدار؟ وعندك التفحيط بالسيارات وقد لقي عشرات الشبان مصرعهم أو أصيبوا بإعاقات جسيمة، أو تسببوا في مصرع غيرهم وهم «يبرطعون» بسياراتهم. ورغم علمهم بكل ذلك لا يكفون عن التفحيط، لأنهم يجدون نشوة في المخاطرة. النشوة نفسها التي يجدها من يتسلق جبلا وهو يدرك أن زلة بسيطة ستكلفه حياته.
وهناك أناس ومن فرط إدمانهم القمار مستعدون لتسليفك نقوداً كي (تلعب) بها في مواجهتهم ولو ربحت منهم نقوداً باستخدام نقودهم يقولون لك (مبروك. حلال عليك! واخد بالك؟ شلون حلال عليك مال الحرام؟) أعني لاحظ إضفاء «البركة والتحليل» على أمر تحرمه الشرائع والعرف الاجتماعي. والغريب في الأمر أنك لا تقابل أبدا شخصاً أثرى من لعب الميسر. نعم قد يكسب شخص ما مئات الآلاف في ليلة واحدة، بل وفي غضون دقائق من مشاركته في المقامرة، ولكن ولأن القمار مرض يسبب الطمع والجشع فإنه يعود إلى (الملعب) لتحويل مئات الآلاف إلى ملايين ويظل يخسر ليلة تلو الأخرى بل قد يخسر كل ما ربحه في جولة واحدة، وقد يقول لأحد رفاقه: لو سمحت أعطني أجرة التاكسي.
عندما ابتعثت إلى لندن في السبعينيات (لا أحب عبارة القرن الماضي لأنها تعطي الانطباع بأنني ديناصور) أسكنونا بعض الوقت في «بيت الشباب الكاثوليكي»، في شمال شرق المدينة الذي كان يضم طلاباً من عدة بلدان، (رحلت منه كما ذكرت في مقالات قديمة لأن حماماته كانت بلا أبواب فكنت أضطر للاستحمام مستخدماً المايوه، وهذا لم يكن يليق بحفيد عنترة العبسي) وكانت بالكافتيريا ماكينات قمار، وكان طالب عربي يوزع النقود على عدد من زملائه ويطلب منهم أن يلعبوا بها في ماكينة معينة نيابة عنه. ولا يرمش له جفن وهو يراهم يخسرون المرة تلو الأخرى، وفي لحظة معينة كان يتولى زمام الأمور بنفسه، وكان منطقه في ذلك أن الماكينات مبرمجة لتعطي مبالغ زهيدة أو لا شيء عدة مرات متتالية، تزداد بعدها احتمالات الفوز بالجاكبوت أي الجائزة الكبرى، وكثيراً ما نجح في الفوز بالجاكبوت ولكنني كنت أراه مرارا وهو يطلب من أحد زملاء السكن أن يشتري له كوب شاي أو شطيرة.. كان يكسب نعم، ولكن احتمالات الخسارة في القمار أكبر من احتمالات الفوز، ولهذا فإن أصحاب كازينوهات القمار مليونيرات بينما معظم المقامرين يواجهون الإفلاس وربما السجن.
وتكمن (حقارة) القمار في أنه أداة لنهب أموال الآخرين بغير وجه حق، أو بما يسمى بضربة حظ ومن دون بذل أي جهد، وكاذب كل من يزعم أنه مقامر محترف، ويعرف أصول لعبة ما، لأن القمار يقوم أساسا على الصدفة التي قد تأتيك بأوراق أو أرقام رابحة، أو تجيب خبرك، ما يكن المقصود بالاحتراف القدرة على الغش.
وأعجب كيف يزعم مجموعة من الناس أنهم أصدقاء، ثم يجلسون مع بعضهم البعض على طاولة القمار ويجردون هذا أو ذاك من كل ما يملك ويسمون ذلك (تسلية).