أم وضاح

“مصطفى” ود الكل!!


لو أن هذه الزاوية كان يمكن أن أكتبها بالدموع لفعلت لأنها لا تحمل إلا كل معاني الألم والحزن والظلم من الإنسان لأخيه الإنسان، القصة بكل ما فيها تؤكد أننا أصبحنا كل زول في حاله لا أحد يحس بوجع الآخر، لا أحد يستشعر معاناة الآخر، ما عدنا نلتفت لصراخ طفل، أو دموع شيخ أو حرقة حشى أم، والقصة التي أبكتني وقلبت يومي أمس إلى يوم حزن لم أتخلص منه حتى هذه اللحظة، وقد جاءني شاب في نهاية العشرينيات يحمل طفلاً عمره لا يتجاوز الأربع سنوات، من بعيد لاحظت أن الطفل يلبس نظارة سوداء، وما أن اقترب مني ما عدت في حاجة لسؤاله عن الطفل الذي كان وجهه محروقاً على الآخر حتى رقبته، والحريق أفقده إحدى عينيه، إذ أنها فارقت محجرها تماماً والأخرى مهددة بفقدان الرؤية، أما رأسه فهو كتلة من اللحم المختلط بالدماء والعديد من منظر بشع لا يمكن أن يتحمله شخص، فما بال والداه وأشقاؤه، وعندها سألت الشاب واسمه “مبارك إسحق” عن سبب هذه الإصابات، قال لي إنه حريق عمره عام لم نترك بعده مكاناً إلا وطرقناه لكن الفقر وضيق ذات اليد جعلنا نلجأ للأدوية البلدية وما خلينا باب إلا ودخلناه، لكن ذي ما أنتي شايفة الحال يزداد سوءاً، قلت له وليه ما لجأت إلى وزارة الصحة في ولاية النيل الأزرق، وأنت من حاضرتها الدمازين، قال لي يا “أم وضاح” ما في مسؤول ما مشينا ليه، لكن للأسف لم يستجب ولن يستجيب أحد، ثم قال والدموع تبلل وجهه لو “مصطفى” مات الحكومة ما دايرين منها شيء، وأصدقكم القول إنني لم أجد من العبارات ما أواسيه بها ولم أدرِ هل أواسيه أم أجامله بعبارات لا بتودي لا بتجيب، وماذا تفعل المجاملة لطفل فاقد البصر يعيش الألم والحزن لأكثر من تسعة شهور يحمله شقيقه يبحث عن العلاج، ومن ذهب إليهم من أطباء أخبروه أن علاج “مصطفى” سيكتمل بمبلغ (70) ألف جنيه، وقال لي والله لو باعوني وباعوا الحلة ما بنجيب (70) ألف جنيه، الرقم الذي يظنه “مبارك” خيالياً هو لا يتعدى قيمة تذاكر سفر إلى تركيا أو ماليزيا عند بعضهم وليتهم قطعوا بها تذاكر إلى جنة الرضوان لو أنهم تبرعوا بها لعلاج “مصطفى” وأمثاله.
الدايرة أقوله إن المجال الآن لا يسمح لأي فلسفة أو طرح آراء تطويلاً وتعقيداً، المسألة برمتها أطرحها لضمير من لا زال يحمل ذرة من إنسانية أو قدراً من قيم الرحمة بالله عليكم أنقذوا “مصطفى” من الموت تعفناً لأنه لو حدث ذلك فإن التعفن الأكبر الذي لا يجدي معه علاج، سيكون هو الذي يصيب دواخلنا وإحساسنا بالآخر.
أطلق هذا النداء بأعلى ما فيني من صوت فليتخيل أحدكم أن “مصطفى” هذا ابنه كيف كانت ستكون نظرته للضاحكين والعابثين رغم أوجاعه ومعاناته، نعم ومن خلال هذه الزاوية أطلقنا نداءات كثيرة بلا عنوان لكنها كانت تجد الاستجابة والحلول بفضل الله تعالى، لكنني اليوم أعلق “مصطفى” في رقبة ديوان الزكاة وفي رقبة رجالات المال والأعمال من الذين لم تفصلهم ثروة عن الواقع ولم تبعدهم بحبوحة عيش عن البسطاء ولا زالوا معنا في الأرض بطينها وفجخيبتها حتى لو كانوا يجوبون العالم بطائرتهم الخاصة، و”مصطفى” يا سادة إن لم ننقذه سيكون العار الذي يلطخ وجهنا بالسواد ويجعل النوم يفارق العيون.
كلمة عزيزة
لا أظن أن ما حدث للطفل “مصطفى إسحق” من حريق بهذه البشاعة، حادث عادي يمكن أن يتكرر في كل يوم خاصة في مدن صغيرة مثل الدمازين، لذلك أستغرب أن لا يتفاعل الوالي مع هذا الطفل، أتعجب أن لا يندفع نحوه وزير الصحة ليتركوه هكذا يصارع الألم ويفقد طفولته وبهجة الحياة ونور عيونه قبل الأوان، أين المسؤولية المجتمعية لمؤسسات الدولة في ولايته؟.. ليه البسطاء مصيرهم التهميش والإهمال ولو أن “مصطفى” كان ابن وزير لحملته طائرة إلى ألمانيا واستقبلته الذبائح في مطار الخرطوم.
“مصطفى إسحق” ولد زول غلبان مننا وفينا يسكن الآن مع شقيقه في غرفة (عزابة) فيها تسعة مؤجرين يتعرض يومياً للالتهاب والسخانة وعذابات الجروح، فمن يعيد لي هذا الأسمر النحيف بهجة الحياة.
{ كلمة أعز
هاتف “مبارك إسحق” شقيق “مصطفى” بطرفي و”مصطفى” ود الكل!!


تعليق واحد

  1. أتمنى ان ترسلي لنا ايميلك او تلفونك حتى نتمكن من الاتصال بك لارسال ما يقدرنا الله عليه