الطاهر ساتي

القانون يستمتع ..!!


:: بتاريخ يناير 2016، أي قبل نصف عام من كشف نهب المال العام بواسطة بعض شركات الأدوية، خاطبت بنك السودان بالنص الآتي : ( يا عزيزي حازم .. كافحوا المافيا وأحفظوا للبلاد أموالها المهدرة..ميزانية الأدوية لا تذهب للأدوية، بل للكريمات ولأغراض تجارية أخرى، منها بيع دولار الأدوية في (السوق الأسود )..كما تم كشف حجم الإستهلاك الحقيقي من القمح المدعوم وما كان يتم تهريبه أوتسويقه تجاريا، يجب كشف حجم الإستهلاك الحقيقي من الأدوية المستوردة وما يتم صرفها على الكريمات وأغراض أخرى..)..!!

:: ثم إقترحت الحل الأمثل لسد ثغرة نهب المال العام – في ذات الزاوية – بالنص : (لجنة صيادلة مهنية تُشكلها وزارة الصحة الإتحادية، ولا تكون لشعبة الشركات تمثيلاً في هذه اللجنة، هي السلطة الرقابية المناسبة لتحديد الأصناف الدوائية المطلوب إستيرداها، ثم تحديد شركاتها وإعتماد فواتيرها عبر مجلس الأدوية..وإرسال صورة من الفواتير المعتمدة إلى البنوك و منافذ الجمارك لتأكيد التطابق من البديهيات.. سد منافذ الفساد أسهل مما تتخيلون، ولكن يبدو أن المافيا متوغلة جداً).. هكذا كان النص الناصح لحازم عبد القادر، الناطق الرسمي باسم بنك السودان، قبل نصف عام ..!!

:: وللأسف، بعد نصف عام، أي قبل أسبوع ونيف ، إكتشفت كل هذه السلطات بما فيها بنك السودان ومجلس الأدوية ( ثغورها).. وهي الثغور التي تسربت عبرها بعض شركات الأدوية – 34 شركة – لتمارس التزوير و (السرقة)..هذه القضية هي أخطر قضايا المال العام حاليا، ولأنها خطيرة سوف تموت عاجلاً أو آجلا على صفحات الصحف و في دهاليز لجان التخدير المسماة بلجان التحقيق.. أي لن تسلك طريق العدالة وما فيها من مادة التزوير التي تعاقب المدان بالسجن والغرامة .. ( ح تموت )، ما بين الصحف واللجان والبرلمان، لأن فيها من الرؤوس ما هي أقوى و أكبر من القانون ..!!

:: فالقانون في بلادنا مُدهش للغاية .. يُعاقب متحصل رسوم النفايات بالسجن والغرامة إذا إختلس ما قيمتها ( حق الفطور)، وكذلك يُعاقب السمسار و المواطن بالسجن والغرامة إذا مارسا التزوير في أوراق قطعة أرض بقرية عشوائية بلا خدمات.. ولكن على سبيل المثال الراهن، هذا القانون لن يُعاقب رئيس إتحاد الصيادلة على جريمة شركته التي خالفت النظم والقانون وإستولت من البنوك على أموال عامة (بغير حق).. شركة إسراء الطبية، لصحابها الدكتور صلاح إبراهيم، رئيس اتحاد الصيادلة، إحدى الشركات الوارد ذكرها في قائمة ( خيانة الأمانة)، وذلك بإستلامها دولار الأدوية – المدعوم بأموال الشعب – ولم تورد الأدوية .. !!

:: ولهذا، أي لأن في القائمة رؤوس فوق القانون، تدافع بيانات شُعبة شركات الأدوية و (تُبرر).. ولهذا أيضا لم – ولن – يصدر عن إتحاد الصيادلة بيان الإستنكار ..وعليه، لا يُخطئ من يطالب صيادلة السودان بسحب الثقة عن رئيسهم، ما لم يكونوا إمعة يقودها من يشاء، حتى ولو لم يكن ( القدوة الحسنة).. ولا يًخطئ من يطالب وزارة العدل بالتدخل وإجراء تحقيق شامل يبدأ بمجلس الأدوية و البنوك ثم ينتهى بهذه الشركات ..إسترداد المبالغ ليس عقاباً، أو كما يجتهد البعض في تخدير العقول .. فالقضية – بإعتراف بنك السودان و وزارة الصحة و مجلس الأدوية و البرلمان – تزوير و خيانة أمانة ..فما جدوى القانون إن كان سوف يكتفي بالإستمتاع بمشاهد مسلسل (إسترداد المبالغ) ..؟؟