عثمان ميرغني

العمل.. مقابل.. العلم!!


اتصل بي أمس مواطن متحدثاً من السوق.. قال إن المحلية (محلية المنطقة التي بها السوق) فرضت على المتسوقين أن يستخدموا فقط (الدرداقات) في حمل بضائعهم.. يُمنع استخدام (الحمالة) أو أية وسيلة أخرى.. والسبب لأن (الدرداقات) محتكرة حكومياً..
وطبعاً قصة استثمار الحكومة في (صبية الدرداقات) صارت مشهورة خاصة تلك اللافتة العريضة التي نشرنا صورتها عام 2011 في “التيار” وتحمل عبارة (إدارة الدرداقات)..
أمس علمت بتجربة فريدة أقدمت عليها محلية الخرطوم بحري.. فبعد أن أعفت كل صبية (الدرداقات) من الرسوم التي كانت مفروضة عليهم في السابق.. وهي (15) جنيهاً عن الوردية الواحدة.. (إذا عمل الصبي وردتين يدفع30 جنيهاً في اليوم)… الآن تبنت المحلية فكرة (العمل.. مقابل.. العلم).. فأعفت الصبية من رسوم (الدرداقة) وسمحت لهم بالعمل مقابل أن يتعهد الصبي بالمواظبة على حضور الدروس التي تقدم بفصول في محيط السوق نفسه..
والفكرة أن يجد الصبي لقمة العيش الحلال دون أن يتوقف قطاره في محطة (الدرداقة).. فبكل يقين بعد اكتسابه لمؤهل علمي تتسع مداركه وقدراته لعمل آخر يخطو به في درج الحياة..
شاهدت صوراً للصبية في الفصول تشرق من وجوههم السعادة بعد أن وفرت لهم المحلية زياً مدرسياً موحداً.. وفي تقديري السعادة ليس لأنهم لحقوا بقطار التعليم فحسب.. بل لإحساسهم أن جهة رسمية (المحلية) تضعهم في الخاطر وتحاول أن تبني لهم مستقبلاً أفضل.
الصورة الذهنية عن (المحليات) السائدة عند الشعب السوداني غاية في القتامة.. الشعور الشعبي أن المحليات ليست إلا أدوات (استحلاب) للمال لإنفاقه على جيوش موظفين يقتاتون من عرق غبن المواطن المغلوب على أمره.. وأن المحليات تنزع الجبايات نزعاً من لحم المواطن بلا خدمة في المقابل.. وهذا الشعور الشعبي طاغٍ من أدنى البلاد إلى أقصاها..
وحين يعمد اللواء”م” حسن محمد حسن معتمد محلية بحري لمثل هذا السلوك مع هذه الفئة الضعيفة من صبية الدرداقات، فعلاوة على ما يوفره بصورة مباشرة لمصلحة هؤلاء الصغار.. فإنه يقدم أنموذجاً مختلفاً للحكم المحلي.. وعسى ولعل أن تتغير المفاهيم وتتسع لاستيعاب المواطن السوداني بآماله وآلامه.. وليس بجيبه وجبايته..
ربما أذيع سراً للقارئ أننا بدأنا تحقيقاً صحفياً استقصائياً نحاول فيه سبر أغوار مفاهيم الحكم الفيدرالي في السودان.. فأخذنا تجربتين ماثلتين الأن أمام الناظرين.. تجربة مولانا أحمد هارون في ولاية شمال كردفان.. ود. محمد الطاهر إيلا في ولاية الجزيرة (امتداداً لتجربته السابقة في البحر الأحمر)..
هذه التحقيق الصحفي الذي يجمع مادته الآن سبعة من محرري صحيفة “التيار” ليس الهدف منه تصحيح كراسات وكتابة درجات لكلا التجربتين.. لا.. بل هي محاولة لتقييم (الأثر) على الإنسان من واقع كل تجربة.. فالمحك في أي حكم هو تأثيره على الإنسان.. لأنه الغاية المستهدفة من كل ما تقدمه الدولة (أو هكذا يفترض)..


تعليق واحد

  1. في الغالب سيكون تحقيقكم هذا الذي تسوقون له فارغ اجوف لا يسمن ولا يغني من جوع – ومحكوم بفشله مسبقا طالما انتم تبنيتوموه – وما افشلكم !!!!!