تحقيقات وتقارير

بعد استدعائه لعدد من الوزراء البرلمان.. استعادة عافية الرقابة على الحكومة


عشرة أشهر مضت على تسليم المراجع العام تقريراً للمجلس الوطني، حول التجاوزات المالية والمخالفات الإدارية بمؤسسات الدولة، في أكتوبر من العام الماضي.. طيلة هذه الفترة لم “يصرح” أي من رؤساء لجان البرلمان الاثني عشر لوسائل الإعلام عن استدعاء وزير حول تجاوزات وزارته الواردة في التقرير، بعد أن وُزع على اللجان المختصة كل ما يليها من ملفات، أمس “الثلاثاء” خرجت صحف الخرطوم السياسية بتصريح لرئيس لجنة الطاقة والتعدين د. حياة الماحي عن استدعائها لـ(4) وزراء حول (17) ملفاً تحوي مخالفات وزاراتهم الواردة في التقرير، إذاً لماذا الاستدعاءات بعد كل هذه الفترة، وهل البرلمان يريد اتخاذ أسلوب جديد مع الجهاز التنفيذي، خلافاً لـ(التماهي) الذي يصفه البعض في تعامله مع الحكومة.

خطوة مفاجئة
نسبة كبيرة من استدعاءات الوزراء بالبرلمان خلال دورة البرلمان الحالية، يقوم بها النواب المستقلون ونواب من الأحزاب الأخرى، لكن استدعاء وزراء “النفط والكهرباء والصناعة والتعدين” من قبل لجنة الطاقة بالبرلمان، حول تجاوزات وزاراتهم في تقرير المراجع العام تعتبر خطوة مفاجئة من قبل لجان البرلمان الدائمة، وتفتح الباب واسعاً حول نية المجلس الوطني في تغيير أسلوب المرونة في التعامل مع الجهاز التنفيذي وذلك لأن كثيرا من النواب يتهمون قيادة البرلمان بالتماهي مع الجهاز التنفيذي في بعض القضايا وتمرير قضايا لا يجب أن تمرر، الشاهد أن استدعاء الوزراء إجراء روتيني يقوم بها البرلمان لكن أن يتم استدعاء (4) وزراء خلال فترة متقاربة يفسر كذلك نية البرلمان تغيير الصورة الذهنية لدى من يتهمه بالتماهي مع الحكومة.

خلافات متوقعة
درج القطاع الاقتصادي بمجلس الوزراء مؤخراً في إصدار بعض القرارات المتعلقة بمعاش الناس خلال فترة رفع الجلسات بالمجلس الوطني واختيار التوقيت هذا يعود لعدم انعقاد البرلمان وبالتالي عدم رفض القرار من قبل النواب على أن يطرح الأمر على هيئة قيادة البرلمان “الرئيس ونائبتيه ورؤساء اللجان” للموافقة عليه أو رفضه وغالباً ما يمرر القرار حيث وافقت قيادة البرلمان على زيادة أسعار الغاز، لكن على مضض رئيس البرلمان البروفيسور إبراهيم أحمد عمر، الذي نقل عنه عدم موافقته على القرار لكنه كان مكرهاً، الشاهد هنا أن استدعاء الوزراء الأربع تم خلال رفع جلسات البرلمان وهذا يعتبر رسالة من المجلس للجهاز التنفيذي فحواها “أننا هنا مراقبون لأدائكم حتى خلال فترة رفع الجلسات”، إلا أن هذا الأمر ربما لا يجد القبول من الحكومة، لأن الاستدعاء يكشف بعض سوءات وزرائها، لذلك يتوقع حدوث خلافات خلف الكواليس بين قيادة الجهاز التنفيذي والتشريعي حول هذا الأمر، لكن عضو البرلمان المستقل، عن دائرة القطينة، بولاية النيل الأبيض، الفريق خليل محمد الصادق، استبعد في حديثه لـ(الصيحة) الخلافات بين الجهازين على خلفية استدعاء الوزراء بالبرلمان وتابع “هذا الأمر غير متوقع إلا إذا كان هنالك وزير شغال خطأ ويريد من البرلمان تمرير هذا الأمر، لكن إذا شغال صح لا اعتقد حدوث سوء فهم من الجهاز التنفيذي للاستدعاء”.

سابقة
حديث رئيس البرلمان الأسبق الدكتور حسن عبد الله الترابي، في شهادته على العصر لقناة الجزيرة الأحد الماضي كشف عن تفاقم الخلافات بينه ورئيس الجمهورية، المشير عمر البشير، إبان رئاسته للمجلس الوطني بسبب استدعائهم للوزراء ومساءلتهم وتابع “ﻛﻨﺖ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺟﻌﻞ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻭﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ، ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻡ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ ﺑﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﻋﺴﻴﺮﺓ ﻟﻠﻮﺯﺭﺍﺀ ﻭﻛﺸﻒ ﻋﺪﺩﺍ ﻣﻦ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﺍﻟﻤﺎﻟﻲ”، ﻭﺃﺿﺎﻑ “ﻟﻘﺪ ﻛﺮﻩ ﺍﻟﺒﺸﻴﺮ ﺍﻟﻬﺠﻮﻡ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﻤﻮﻇﻔﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻭﺍﻋﺘﺒﺮﻩ ﺗﻬﺠﻤﺎ ﺷﺨﺼﻴﺎ ﻋﻠﻴﻪ”، إلا أن عضو البرلمان عن حزب المؤتمر الوطني ممثل الدائرة “3” الثورة بأم درمان عمر عبد الله دياب، قال لـ(الصيحة)، إن استدعاء الوزراء إجراء روتيني يقوم به المجلس الوطني وفقاً للائحة تنظيم أعماله، واتفق دياب مع المستقل خليل واستبعد حدوث خلافات بين الجهازين التشريعي والتنفيذي، مطالباً بضرورة أن يواصل المجلس الوطني من خلال اللجان والأعضاء في استدعاء الوزراء وتابع “إذا توقف البرلمان عن هذا الأمر يكون مافي ليهو داعي واحسن يمشوا يشوفوا ليهم شغله”.

استدعاء بلا نتائج
استدعاء الوزراء بالمجلس الوطني من النواب واللجان دائماً ما يكون حول قضايا مهمة للمواطن لاسيما معيشته، لكن السؤال هل يقوم الوزراء بتنفيذ توجيهات وتوصيات المجلس الوطني حول القضية محور الاستدعاء، هذا ما أجاب عليه البرلماني عمر دياب حيث أكد أن بعض الوزراء يحترمون البرلمان بصورة كبيرة جداً ويقومون بتنفيذ توجيهاته على أكمل وجه، بينما آخرون لا يعيرون هذا الأمر ثمة اهتمام فيسمعون ما يقال لهم بالمجلس وينفذون ما يريدون أو قل ما تمليه عليهم تعليمات قيادة الجهاز التنفيذي، متهماً قيادة البرلمان بالتقصير في هذا الأمر من خلال عدم متابعتها لتنفيذ توصياتها للجهاز التنفيذي وتابع “البرلمان أمامه حاجات كتيرة يجب متابعتها لكن هنالك تقاطعات تمنع ذلك”، قريباً من هذا التوجه قال البرلماني المستقل الفريق خليل الصادق إن بعض الوزراء “للأسف الشديد” يعتبرون المجلس الوطني مناط به فقط تمرير الكثير من الأمور باعتبارها قضايا تتعلق بالحزب الحاكم “المؤتمر الوطني”، لكن نحن مناط بنا الوقوف مع المواطن في قضاياه وإيضاح الحقائق لكل الناس والاستدعاءات التي تمت ممارسة طبيعية لدور البرلمان.

توجيه رئاسي
يبدو أن مجلس الشعب بدأ يستعيد عافيته الرقابية على الجهاز التنفيذي، فبعد تصريح رئيس لجنة الطاقة حول استدعاء (4) وزراء حول مخالفات وزاراتهم بتقرير المراجع العام بأقل من 24 ساعة، وجه النائب الأول لرئيس الجمهورية، الفريق أول ركن بكري حسن صالح، أمس “الثلاثاء” الوزراء بحضور جلسات المجلس الوطني والالتزام بكل الاستدعاءات وطلبات الجهاز التشريعي، مؤكداً استمرار التعاون بين الجهازين التنفيذي والتشريعي والالتزام بالدستور في تأطير العلاقة بينهما.

الخرطوم: صابر حامد
صحيفة الصيحة