اسحق احمد فضل الله

الاسلاميون وحدائق الشوك.. ويوليو (5)


– والحلقات هذه .. وهذه هي الخامسة.. نحرث بها الارض.. ونسرد.. ما كان من قبل لانه يقدم تفسيراً لما يجري الآن – ونقدم الاسلاميين .. ثم نقدم الآخرين ما لم تتقاطع الاشياء. – والتقاطع يجعلنا نرسم الاسلامي يوماً.. والشيوعي يوماً – ونحرص على تقديم (الأسماء.. والاحداث) دون رأي لأننا نذهب إلى أن يكون الرأي للقارئ فقط ***** – ثورة شعبان في جامعة الخرطوم اشعلها مواطنون قليل منهم سمع بجامعة الخرطوم.. والمواطنون هؤلاء لم يعلموا حتى اليوم أنهم أشعلوا أول ثورة شعبية كادت أن تطيح بالرئيس النميري. – كانت مجاعة دارفور هي التي بدأت كل شيء. – والطلاب الثلاثة الذين هبطوا من اللوري في الفاشر وهم يحملون حقائب مضحكة لم يلفتوا انتباه أحد. لكن الطلاب ( حسن مكي والتيجاني سراج ومحمد سعد الدين) كانوا هم الذين سوف يطيحون بعد اسابيع قليلة بمحافظ دارفور ويجعلون حكومة النميري تنتفض اجتماعاتها في قلق واذاعات العالم تتحدث عن مجاعة مفزعة في غرب السودان. ويجعلون السودان يغلي والصور التي التقطها الطلاب للمجاعة تطبع سراً وتتسلل مئات النسخ منها للناس والناس يحدقون مذهولين في نساء يمشين بعظام مسنونة مثل اغصان الطلح الجافة وخرق من الثياب كأنها مبللة بالزيت الأسود.. ونساء بعيون بيضاء جاحظة وهن يحفرن بيوت النمل للحصول على حبوب الذرة التي جمعها النمل هناك والشمس ساخنة والسراب في الأفق!! كانت المجاعة تبلغ هذا.. والنميري يعلن بعد ذلك _ صادقاً _ انه لم يكن يعلم شيئاً. لكن الطلاب الذين لم ينتبه لهم احد وهم يهبطون في الفاشر كانت العيون التي تتبعهم من الخرطوم ترصد وصولهم.. والسيد عمر الحاج موسى يبلغ محافظ دارفور رغبة الحكومة في التعامل الرقيق معهم .. والمحافظ يعد للوفد عشاءً رسمياً ضخماً. وافخر زجاجات الوسكي تشرئب بأعناقها فوق المائدة مثل أعناق الأوز البري. لكن المحافظ واعضاء الحكومة يقفون مذهولين ينظرون إلى الطلاب الذين ما أن ابصروا زجاجات (الخمرة) على الموائد حتى وقفوا بعيداً بوجوه مربدة. كانت اولى الأزمات تبدأ.. والمحافظ واعضاء الحكومة يفاجأون بطلاب لا يشربون الخمر. والفاشر في صباح اليوم التالي تتناقل كلها قصة الطلاب الذين (ادبوا) المحافظ ولم يخطر ببال أحد ان ما فعله الطلاب بمحافظ دارفور (محمد حسين) سوف يصل الى درجة فصله بعد أسبوعين حين أخذت أبخرة المجاعة تغطي سماء الخرطوم كان محافظ دارفور يشعل ثورة الناس وهو يتجاهل المجاعة.. ثم كان محافظ الخرطوم يشعل ثورة الناس بالمواجهة وهو يعلن (اكتشاف ثورة مضادة تعمل داخل جامعة الخرطوم) .. ثم يحاصر الجامعة بالدبابات. في التاسعة مساء حين كانت الدبابات تكمل اتخاذ مواقعها حول الجامعة كان محمد عثمان محجوب يلتقم المايكرفون المتحرك ويصعد على الرصيف القصير ويعلن حالة الاستنفار العام بين الطلاب.. والثورة التي يفترض أن تنفجر بعد ثلاثة كانت تولد قبل أوانها. ومثل ما يسبق كل معركة ضخمة كان كل شيء يمضي في هدوء حاسم مثل هسيس الشفرة وهي تشحذ.. والطلاب فيصل خضر مكي وحسن مكي يقفون أمام مدير الجامعة يحدثونه في لباقة ويشكرونه على تعامله الراقي مع الطلاب والأزمة ويعتذرون إليه عن احتلال الجامعة وعن كل ما يمكن أن يحدث اذا انفجر الوضع. الشعور بأن وتر الأزمة يشتد حتى الأستدارة كان يجعل كل أحد يختنق.. ومدير الجامعة الذي ظل واقفاً على قدميه يستمع إلى الطلاب الذين وقفوا يحدثونه غلبه البكاء.. والطلاب غلبهم البكاء. لكن كل أحد مسح دموعه ومضى يستعد للمعركة. وكل شيء ينتهي إلى أن الموكب الذي كان ينتظر أن يزحف بعد أيام يخرج في صباح اليوم التالي من البوابة الجنوبية. ومثل كل المواكب الضخمة التي تتوقع قتالاً عنيفاً كان الموكب الضخم يتدافع عند البوابة صامتاً بأسنان معضوضة.. كان أساتذة الجامعة يتقدمون الموكب فالمعركة أصبحت قومية تتخطى الفئات. والأحزاب التي كانت تتحدث بقوة على إمتداد الليالي السابقة كانت تقف الآن مشلولة والاحدث تسبقها وهي ما تزال دون تعبئة لقواعدها. لكن قوات النميري التي كانت قد تمرست جيداً على المواجهة كانت تعلم أيضاً انها لا تحتاج لأكثر من ساعتين لتحطيم كل شيء.. وعند الحادية عشرة صباحاً كان كل شيء يهبط دخانه الى الأرض.. والمعركة تحسم وقادة الطلاب وراء أسوار كوبر العتيدة. وكان قدراً غريباً كان يفرغ المسرح من القادة الذين كانوا يملؤون المكان حتى يفسح مكاناً لقادة من الطلاب يولدون هناك. والقادة الذين خرجوا يومئذ هم الذين سوف يقودون معركة 1976 المسلحة بعد عامين من تلك الأيام. الطلاب في السجن اخذت الحكايات تتسلل إليهم.. حكايات مدهشة عما يفعله الآخرون من ورائهم.. وبين زحام الحكايات كانت هناك اسماء لقادة جدد.. اسماء لم يسمع بها احد من قبل.. ومن بينهم طالب اسمه غازي صلاح الدين. ويسمعون عن قصة الاعرابي الذي جاء يقطع جسر النيل الازرق وهو يقود قطيعاً كاملاً من الخراف.. والجنود الذين يحاصرون الجامعة يصابون بالجنون لهذا البله الغريب وحين ينهالون بالضرب على الاعرابي لا يجد الاعرابي ملاذاً له ولقطيعه غير الجامعة.. والاعرابي الابله لم يكن غير طالب من جامعة الخرطوم كانت مهمته هي ان يدخل اللحوم الى الجامعة المحاصرة.. وهكذا جعل الجنود يساعدونه في اكمال مهمته. ستة اشهر قضاها الطلاب في المعتقل.. كانت اياماً رائعة من الانقطاع لكتاب الله والطالب الذي يعمل في المطبخ لاعداد الشاي يجري في الثانية صباحاً بين انحاء المطبخ وانحاء المعتقل حتى لا ينقطع ورد الاذكار الذي يتلوه. لكن شعوراً غير ذلك كان يجثم على صدور الطلاب ايام الثورة المسلحة.. فالطلاب الذين كانوا في السجن _ايضاً_ في يوليو 1976م كان شعور غريب الاختناق يجثم فوق صدورهم. والطالب حسن مكي في صلاة الجمعة يجهر بالسلام قبل ان يسلم الإمام من صلاته والبعض يغلبه الضحك. لكن الطالب حسن مكي كان يشعر شعوراً يقينياً ان اليوم الجمعة السادس من يوليو لابد ان يكون هو اليوم الذي تنفجر فيه العملية المسلحة NOW OR NEVER لا احد كان يعلم ان الثورة كانت تنفجر فعلاً في ذلك اليوم. وقادة الطلاب الذين دبروا خطة هروب بابكر حنين من معتقل (دبك) حتى يأتي بالانباء ظلوا دون انباء. فلا الطلاب ولا احد كان يعلم أن المقاتلين كانوا قد تسللوا الى العاصمة منذ شهر كامل وكانوا ينتظرون ساعة الصفر. سجن دبك كان اكثر ما يجعله مفضلاً لمخابرات النميري هو انه سجن تنقطع الاخبار دونه فلا يصل اليه خبر ابداً. لكن مياه الفيضان هي التي كانت تحمل الاخبار للطلاب.. وتعيد الطلاب الى قلب الاخبار.. الى سجن كوبر. حسن مكي وصديقه الصديق احد اقارب الصادق المهدي كانا يجلسان تحت الاشجار حين كانت صفوف الحمامات التي تقع امامهما مباشرة على الجانب الآخر تهتز.. ثم تختفي!! كان المشهد غريباً لدرجة ان بعض الطلاب انفجر في الضحك.. لكن الطالب الصادق حذرهم من ان بعض الطلاب قد يكونون تحت الركام. لم يكن هناك احد.. لكن كل شيء كان يعني ان مياه الفيضان تجعل حكومة النميري الآن بين احد خيارين أما ان تقوم باطلاق سراح الطلاب (500) طالب.. او ان تعيدهم الى كوبر. واعادوهم الى كوبر..!! لكن الخريف المتدفق بعنف كان يحمل امطاراً سياسية وانهاراً جديدة. كانت عيون مخابرات امريكية واسرائيلية ترقب كل شيء.. وتعرف ان الرئيس النميري يختنق.. وتتسلل تعرض.. وتطلب اجواء التحول العنيف التي اعقبت حرب اكتوبر 1973 كانت ما تزال هناك.. وزيارة السادات وعقابيلها. والسادات الذي كان يبحث عن حليف يواجه به العزلة الخانقة كان يصلح جسراً رائعاً للحديث مع النميري. وكانت بذور قصة ( الفلاشا) تبدأ. وقصة يوغندا ورئيسها الغريب المخدوع تقطع شوطاً.. والسودان يلعب دوراً شبيهاً بما صنعته حكومة عبود ايام الكونغو ولوممبا. والنميري كان يشعر بحاجته الملحاحة لاي حليف يلوذ به. والنميري الذي يبدأ حياته حليفاً للعقيد القذافي والسادات .. حيث لم يبق عبد الناصر الا قليلاً ..ويبدأ حياته عدواً للسعودية ومقارباً لاثويبيا كان عام 1976 م يشهده هو يستقبل السيد (فيصل) .. ويكون فيصل.. السعودية.. هو الذي يدير المصالحة المشهورة بين النميري والمعارضة وبين النميري والسعودية. واشياء كثيرة تتبدل والقبول يرسم عنفه وسرعته ان منتصف عام 1976 م كانت بداياته تشهد القتال المسلح بين الاطراف.. بينما عام 1976م نفسه تشهد نهاياته بدايات التحول هذا. التحول الذي صنعه سبعة من الشباب يستشهدون في دار الهاتف بعد قتال غريب.. قتال المجاهد الذي يعلم أن جيشه خسر المعركة تماماً لكنه يبقى.. لانه لم يتلق امراً بالانسحاب.. وكان غريباً هو حديث دار الهاتف وثورة 1976 تفشل.. والاسلاميون من بعد يحمدون الله انها فشلت وان فشلها هذا كان هو ما يصنع السودان المسلم.. ونعود صباح الاحد إلى الشيوعيين


‫2 تعليقات

  1. يبدو ان فساد جماعتك و توالي فضائحهم التي تزكم الانوف و انكشاف خداعهم للشعب على مدى 27 عاما” جعلك تعود الى كتبك الصفراء القديمة لتنشر سمومك من جديد و تنفخ في اجساد ميتة اكلها الدود و اصبحت هباء منثورا” !!.
    نشاهد اعضاء حزبك كل يوم في احيائنا و في الصحف و التلفاز و الانترنت و نعلم مدى فسادهم و دنائتهم و تكالبهم على الدنيا و السلطة و الجاة و الكنوز المقنطرة …
    لم يبقى في العمر الكثير و لكن من شب على الكذب و التلفيق و الافتراء على ابناء الشعب السوداني طوال عمره ماذا تتوقع منه في ارذل العمر ؟؟

  2. كلامك كتير وملان حشو وعنتريات ونفخ في الفاضي … ناسك ديل مسكو الحكم ما شفنا منهم غير الخراب