داليا الياس

مدينة الأسى


* مدينتي صاخبة وموبوءة بالكدر..! مدينة تحتوينا بدرجات متفاوتة.. وترغمنا جميعا على الاستسلام!.. وتمعن في تصنيفنا بحسب أحيائنا السكنية ربما!!
فولاء سكان الأحياء الشرقية المترفة.. لا يوازي مطلقا نظيره بالأحياء الغربية.. وكذلك رؤيتهم للأشياء من زواياهم المنفرجة وتحليلهم للأمور وأبعادها.
فنحن ـ الكادحين ـ لنا زوايا أشد حدة.. حشرني في إحداها سائق الترحيل المدرسي صباح أحد الأيام وهو يحييني بابتسامة صفراء ونظرات مخيفة ولهجة صارمة ويردد على مسامعي قراره الأخير بأن تعريفة الترحيل ستصبح 300 جنيه للطالب بدلاً عن 170!!!.. وأنا أترك في صحبته كل يوم ثلاثة رؤوس صغيرة أعلق عليها آمالي العريضة.. لو كان ترحيلهم شهرياً سيصبح 900 جنيه دون مسوغ موضوعي سوى مزاج السائق.. فكم يتبقى بحافظتي لأقيهم شر الجوع ومغبة العوز وأكفل لهم عيشةً كريمة وعافيةً مستديمة وألبي بعض أحلامهم الطفلة البريئة؟؟!
* عليه.. ومنذها.. وأنا أفكر جدياً في السعي الحثيث لامتلاك (ركشة).. قد أنفق عليها بعض ممتلكاتي العزيزة.. وألتزم يومياً بالتحول إلى مرافق (جوكى) وأصطحب أبنائي كل يوم إلى ومن المدرسة.. ثم أترك له مهمة الانزلاق بها على شوارع الأسفلت مع موسيقى صاخبة والكثير من (الهتش) لاصطياد الركاب الذين يفرض عليهم تعريفة جديدة للمشاوير القصيرة تثقل كاهل جيوبهم الفقيرة دون أن يعنيه الأمر بدعوى زيادة سعر الدولار وأثره على المحروقات والاقتصاد!!
كل هذا ليعود لي آخر النهار ببضعة جنيهات تعينني على منصرفاتي على اعتبارها (نقاطة) ثابتة تستوجب الحمد والرضا!!
* ويبقى السؤال: هل يجيء استخدام كلمة (محروقات) هنا ملائماً للسياق؟.. ألم يكن من الأبلغ أن نستخدمها للتعبير عن شيء آخر..؟.. فالشاهد أن المحروقات هنا في هذه المدينة الحضارية التي نسكنها هي (أعصابنا وشبابنا وكرامتنا ومستقبلنا ومدخراتنا وأحلامنا) وليس الوقود وحده الذي اتضح لي جلياً أن يحيا في بلدي الإنسان!!!
كيف لا وكيلو الموز يرتفع سعره بدعوى الترحيل.. والكسره يذيد ثمنها بدعوى الغاز.. والبقية تأتي!!!
* فيا أيتها المدينة التي يلفها الأسى.. وتصحو وتنام على أحزانها.. لله درك ودرنا. فشوارع الأسفلت الخاوية من عربات النقل العام والمتكدس أهلها على الطرقات بوجوه حائرة وبائسة في كل صباح تشير بوضوح لمعاناتهم وقلة حيلتهم وخواء جيوبهم.. والطرقات التي تموج بالنفايات المتراكمة برائحتها النتنة وخطرها المحدق بحياواتنا تشير بوضوح لانعدام الأمل في نهضة إنسانية طبيعية.. ويظل كل برق محض زيف.. لا هو يمطر ولا يظللنا بالغمائم..
ويظل الضباب دائم الانقشاع بقبولنا لواقعك المرير.. وشمسك الحارقة.. والقرارات المعلقة التي تحلق فوق سماواتك.. فلا أظنه سينقشع على غير ذلك!!
تلويح:
حياتنا تتبدل ما بين الضباب والتراب والعذاب وقسوة الأحباب!!!


‫2 تعليقات

  1. كلماتك عزفت على وتر الانين والشقى، حلقنا معها في سماوات حالنا الذي تشتد قساوته كل يوم، ماذا نفعل؟ هل البكاء وسكب العبرات يقلل بما في نفوسنا من زفرات حرى، هل يحس مسئولينا بما نحس به؟ لا اعتقد.
    اما بالنسبة لمقترحك ببيع ما عندك وافتراض مبالغ مالية وغيرها لشراء ركشة، فهذا هو الخسران المبين، نسبة كبيرة جدا ممن يؤتمنون على الركشات وغيرها يخونون الامانة.

  2. الشكوى و البكاء هى ملاذ الضعفاء و قلة الحلة – كونى قوية و عاركى الحياة بالصبر – و ما نيل المطالب بالتمنى و لكن تأخذ الدنيا غلابا — و دائما الله هو المستعان ..