تحقيقات وتقارير

الشركات الوهمية .. أسماء في عالم الاحتيال


لم تفلح التشريعات التي ينظمها قانون المسجل التجاري للحد من ظاهرة الاستيلاء على أموال الناس عبر الشركات التي يتم فتحها لتمويل السيارات والعقارات، حيث انتشر مؤخراً فتح شركات بأسماء على اللافتات فقط دون وجود لها في السجلات الرسمية، الأمر الذي عمل على وقوع عدد من الضحايا في شباكها حسب الوقائع التي أثبتتها المحاكم، وطالب محامون بوضع قوانين رادعة وإدخال أنظمة تتيح للمواطنين الوقوف على حقيقة الشركات قبل التعامل معها.

يقول المجني عليه ناجي عباس لفت انتباهي إعلان بالصحف وأجهزة التلفاز من قبل إحدى الشركات يفيد بتمليك ركشات وبيعها عن طريق التقسيط، وبالفعل توجهت لمقر شركة ) الثرية) وهو اسم الشركة صاحبة الإعلان بأحد الشوارع الرئيسية بمنطقة الخرطوم بحري، وحسب لوائحها تعادل قيمة الركشة 65 ألف جنيه، على أن يتم دفع 10 آلاف جنيه للقسط الأول، بينما يُجدول متبقي المبلغ، وبالفعل دفعت مبلغ 22 ألف جنيه لركشتين، ووعدوني بأن التسليم سيكون بعد أسبوع من السداد، وطلبوا أن نعطيهم مهلة 21 يوماً.

بلاغ وتبرئة
على الفور توجهت إلى المباحث للتأكد وأخبرتهم بإحساس سيئ يراودني تجاه الشركة، ودلوني للتأكد عبر المسجل التجاري، لأعلم أن الشركة غير مسجلة ولا يوجد عمل بالاسم المعني، وقمت بتدوين بلاغ واستخرج وكيل النيابة أمر تفتيش وتم القبض على المتهم الذي قام بتحصيل الرسوم من المتضررين، بجانب حجز دفاتر شيكات وبعض الأثاثات، ليتضح بعد التحريات أنه موظف يقوم بتسليم الأموال للمدير العام حسب إفادته عند التحري، والحديث يعود لناجي، حيث واصلت محكمة بحري جلساتها لأكثر من 10 جلسات، وتفاجأنا بتبرئة المتهم، وتأسفت لعدم مطالبة القاضي بإحضار المدير واكتفى بمحاكمته فقط، وقال إنه ليس لديه دليل على مقاضاة المدير العام.

تصعيد القضية
بعد تبرئة المتهم حولت محكمة الاستئناف القضية إلى مدنية وألزمته برد الأموال، وقمنا بإرجاع القضية إلى المحكمة العليا التي وجهت بإلغاء القرارين السابقين، (محكمة الموضوع والاستئناف)، وجددت الحبس للمتهم لحين إحضار المدير أو إرجاع الأموال، وحالياً يقبع في الحبس، ونحن حوالي 25 شخصاً متضرراً ونطالب الشركة بحوالي (195) ألف جنيه، وحتى الآن تتواصل الجلسات.

لا وجود لها
تعرضت لأغرب قصة احتيال من قبل شركة تعمل بمجال تمويل العقارات، هكذا بدأ الضحية خالد يحيى، حيث أخبرني صديقي بمقر الشركة بالخرطوم وتسمى (س.م) وذهبت والأمل يملأني بامتلاك منزل للأسرة، وشجعني أخي المقيم بالخارج، وبالفعل دفعت مبلغ 20 ألف جنيه كقسط أول لشراء عقار بمنطقة الخرطوم، ليخبروني بالحضورفي صباح اليوم التالي وتوقيع العقودات بحجة أن المسؤول عن الخزانة لم يحضر، وأن جميع العقودات بحوزته، لأجد مقر الشركة مغلقاً ودون أي علامة تدل على وجود حياة بالمبنى حتى اللافتة تم أخذها، وبعدها علمت أني وقعت ضحية لعملية نصب جديدة، واسودت الدنيا بوجهي خاصة وأني لم أجد لها اسماً بالمسجل التجاري، وطلب مني أخي أن أستعوض الله فيما أصابني خاصة وأن الجهة التي سأقاضيها لا وجود لها على الطبيعة، وأطالب الجهات المختصة بضبط هذه الشركات ورهن ما تملكه لضمان حقوق الضحايا.

غش واحتيال
قال المواطن محمد أحمد إن العناية الإلهية أنقذتني من الوقوع في شبكة (ع.ي) للمقاولات، حيث توجهت لمكاتبها الفخيمة بوسط الخرطوم بناءً على وصية أحد أصدقائي، وأثناء إجراءات كتابة العقد حضر أحد المواطنين للمقر واتهم القائمين على أمرها بالكذب وأخذ الأموال دون تقديم أي خدمت، وفور سماعي لهذه الجملة ألغيت التعامل ورجعت المنزل لأكتشف فيما بعد إغلاقها وهروب ملاكها بأموال الضحايا.

شروط التسجيل
كشف المحامي وموثق العقود الفاتح الصديق عن شروط تسجيل الشركات بإحضار شريكين، وتقسيم عدد الأسهم بينهما، بعد إحضار كافة المستندات الشخصية للمؤسسين، بجانب مقر الشركة، وقال الفاتح إن رأس المال لا يشترط عند التسجيل، بل يكون اسمياً فقط دون إيداعه بأحد البنوك، والأدهى عدم إحضار إفادة تفيد بمديونية الشركة في حدود أصولها وليس الأرباح، لضمان تغطية أي عجز، وفي حالة تدوين بلاغ ضد الشركة لا يتم إغلاقها ويتحمل المدير كافة المشاكل المالية بصفته ممثلاُ لها.

ضعف القانون
عاب القانوني مجدي سرحان عدم وجود ضمانات مودعة تضمن حقوق المتعاملين وتقدير رأس مال للشركات دون وضعه بالبنك، وقال إن من الضروري وجود عقار يتم حجزه في تسجيلات الأراضي يرهن لصالح السجل ولا يفك حظره إلا بحل الشركة، وأرجع أسباب انتشار الظاهرة إلى الرغبة الشديدة وتطلعات المواطنين لامتلاك سيارات فارهة وعقارات، بجانب ضعف القانون والحماية غير الكافية بنصوصه، وتتطلب السيطرة على مثل هذه الجرائم عقوبة رادعة بحجز المساهمين وإغلاق مقر الشركة، وأردف أن الشركات ذات الصفة الاحتيالية تكون مسجلة ويقدم أفرادها للمحكمة الجنائية أو المدنية، وبالطبع هي شخصيات اعتبارية بحكم القانون، حيث يساءل مديرها عن حقوق المتعاملين، واستنكر سرحان عدم تفتيش مقر الشركات بصورة دورية من قبل جهات الاختصاص.

انطباع سيئ
الخبير الاقتصادي عبد العظيم المهل يرى أن الأجواء مهيأة ومغرية لقيام مثل هذه الشركات، الأمر الذي يؤثر سلباً على الاقتصاد نتيجة لصفقات وهمية يتأثر منها المواطن، وأرجع ذلك لضعف العقوبة وعدم المراقبة والمتابعة من الجهات الرسمية، ووصف المهل العقوبات بأنها غير رادعة وقال إن عفوية وطيبة الشخصية السودانية وسهولة خداعها جعلت الشركات تنتشر وتعقد صفقات بمليارات الجنيهات، وتعمل بسهولة ويسر بعضها محلي وآخر أجنبي، وبالطبع لها تأثير على الاستثمار بالبلاد بسبب السمعة التي تتركها ويسمع عنها السياح والمستثمرون، وبالتالي يتخوفون من النصب والاحتيال، الأمر الذي يجعلهم يحجمون أعمالهم بالبلاد، وأرجع الخبير الاقتصادي تفشي الظاهرة إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر والتضخم، واستعجب عمل الشركات لفترات طويلة دون ملاحقتها من الجهات الرسمية، وطالب بضرورة إدخالها النظام الإلكتروني لتأكيد وجودها بالسجلات، ولتسهيل مراقبتها ومتابعة أعمالها أسوة بالدول الأخرى.

قدرة على الإقناع
وقالت الباحثة في مجال علم الاجتماع ثريا إبراهيم إن ممارسي السلوك الإجرامي نشأوا في بيئة متفككة اجتماعياً وأسرياً وتعرضوا لأنواع الاعتداءات المختلفة، بالإضافة للضغوط الاقتصادية التي واجهتهم منذ الصغر، وأضافت: هنالك من يمارس مثل هذه الأعمال لأغراض لا علاقة للحاجة بها، وهي تعبر عن أمراض نفسية ناتجة عن الضغوطات التي يتعرض إليها الشخص في بيئته ويعرفون بذوي اللياقات البيضاء من ظرفهم وهندامهم ولديهم القدرة على إقناع الضحية بكل سهولة، وعادة ما ما يكون ضحاياهم من الطبقات الساذجة البسيطة، خاصة وأن مجتمعنا لا يملك وعياً كافياً بالقانون، لذلك يسهل الاحتيال عليه، وطالبت المتعاملين مع الشركات باستشارة مختصين لحماية معاملاتهم.

غير كافية
قال مدير إعلانات بإحدى الصحف، إن هنالك شركات تعلن دون أي أوراق تثبت تسجيل العمل لدى الجهات المعنية، وأضاف قد يقلل ما يثبت من الجهات الرسمية عمليات الاحتيال والسرقات ولكنه لا يكون حلاً ناجعاً يجعل المتعامل معها مطمئناً، باعتبار أن أصحاب عمل يقومون بكافة الإجراءات القانونية ويملكون مستندات لأعمالهم وبالرغم من ذلك يختفون ولا تشفع البيانات في إيجادهم.

بعد عن الدين
يقول عضو مجمع الفقه الإسلامي الشيخ جلال الدين المراد إن التركيز على الدنيا وصب الهم في جمع المال، يجعل الشيطان يتحكم بهم ويبعدهم عن دينهم، فيلجأون للمكر لأكل اموال الناس بالباطل، وكأنهم لا يرجون لقاء ربهم، وأضاف أن ما يحدث حرمه الله ونهى عنه رسولنا الكريم.

نظام بدائي
أعاب مصدر رفيع بالمسجل التجاري عدم استخدام نظام متقدم يسهل على المواطنين التعرف على الشركات المنضوية تحت لواء المسجل وما تقدمه من خدمات، وقال إن العالم يعمل بنظام الحوسبة عبر موقعه للاطلاع على سجل الشركات وأصولها قبل التعامل معها، وطالب بإحكام شروط التسجيل لتحفظ للمواطنين حقوقهم.

تحقيق: زكية الترابي
صحيفة آخر لحظة


تعليق واحد

  1. الثوثيق لايحتاج لمخ لوضع ضوابط ولكن ياوزارة العدل والتجارة والجهات ذات الاختصاص لماذا لاتوجد ضوابط مثل
    لابد من وجود ضمان بنكي
    شهادة السجل التجاري تكون في مدخل الشركة ومن حق اي شخص الاطلاع عليها وتجدد كل عام او عبر الانترنت
    قبل التجديد التاكد من عمل الشركة خلال العام
    يمكن الاطلاع على الانترنت لمعرفة وضع الشركة
    لايتم الاعلان في اي وسيلة الا بعد التأكد من جميع الضوابط وبموافقة الوزارة المختصة
    وضع عقوبات رادعة اذا اكتشف اذا كان قصد احتيال كما هو واضح في الحالات السابقة
    اي قوانين اخري