عالمية

الخطبة المكتوبة.. تسقط القناع عن الحرب الخفيّة بين الأوقاف والأزهر


لم يكن إعلان هيئة كبار العلماء التابعة لمشيخة الأزهر تحديها ورفضها الخطبة المكتوبة التي أقرتها وزارة الأوقاف إلا انفجاراً لخلاف كتم كثيراً تحت الستار ومرّ بمراحل عديدة حتى وصل لهذا الحد.

وزارة الأوقاف أعلنت منفردة في 12 يوليو/تموز تشكيل لجنة علمية لإعداد وصياغة خطب الجمعة بما يتفق مع روح العصر من قضايا إيمانية وأخلاقية وإنسانية ملزمة الأئمة باتباعها دون الرجوع للأزهر، فردت هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب برفض القرار وكأنهما خصمان، وليسا قيادات لمؤسستين دينيتين رسميتين في بلدٍ واحد.

الهيئة بررت قرارها بأن الأزهر هو المسؤول عن الدعوة دستورياً، وأن الخطبة المكتوبة تعد تجميدًا للخطاب الديني، وأضافت الهيئة بأن اتكاء الخطيب على الورقة المكتوبة وحدها، سيؤدي بعد فترةٍ قصيرة إلى تسطيح فكره وعدم قدرته على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة التي تتخذ الدين سِتارًا لها.

لماذا الخلاف؟

يتابع الرأي العام الخلاف بين المؤسستين على أنه محاولة كل منهما أن تكون الممثلة الوحيدة للسلطة الدينية في مصر، والمسيطرة على الخطاب الديني، بهدف أن تكون الأقرب للدولة.
هناك مشكلة أخرى وهي التباس الاختصاصات، فوفقاً للدستور فإن الدعوة هي مسؤولية الأزهر، ولكن على الأرض، فالأوقاف هي المنوطة بتعيين وتوزيع الأئمة وإملاء ما يجب قوله.

على الورق هيئة كبار العلماء هي صفوة الواعظين، ولكن الأوقاف لا تستشيرهم في أي شيء يخص الواعظين، حتى أن بيان الهيئة لرفض الخطبة المكتوبة رد عليه مختار جمعة وزير الأوقاف بأنه ليس ملزماً.

وكشفت مصادر قيادية بالأزهر أنه عُرض على شيخ الأزهر عقب رحيل الإخوان على الحكم ضم الأئمة للأزهر، ولكنه لم يحبذ ذلك لأن مشاكل الأئمة كثيرة، بحد تعبيره حينها.

اللبس الآخر هو أن بالأزهر إدارة للوعظ تضم قرابة 4 آلاف واعظ، وهم مسؤولون عن إلقاء الدروس في أي مساجد يختارونها، ولكن دون الصعود على المنابر.

هؤلاء يتقاضون أجورهم من ميزانية الأزهر، بينما الإمام العامل في الأوقاف يكون مسؤولاً عن مسجد معين يخضع لسيطرته، فيؤم الناس في الصلوات، ويخطب فيهم الجمعة.

اللجنة الدينية في مجلس الشعب سارعت لاحتواء أزمة تتعالى وتيرتها بشكل سريع، بمحاولة التوسط لدى الجانبين للوصول لحل وسط.

انفجار الخلاف أمام الجميع ورفض كل طرف التراجع، لم يكن ليحدث إلا لتراكماتٍ سبقتها رغم أن شيخ الأزهر هو من رشح مختار جمعة لتولي الحقيبة.

صراع النفوذ

المشكلة بدأت منذ تولي مختار جمعة الوزارة حيث سعى لتقييد الأزهر ليصبح هو ممثل الوحيد للمؤسسة الدينية في مصر هكذا قال “م.ك” أحد مشايخ إدارة الوعظ التابعة للأزهر.

الشيخ الذي تحدث لـ”هافنغتون بوست عربي” رافضاً الكشف عن هويته خشية التعرض للضرر الوظيفي استند على وقائع حدثت له مباشرة، حينما منعه أحد الأئمة التابعين للأوقاف من الوعظ في المسجد.

وأوضح أنه عندما استفسر عن سبب منعه خاصة أنه يعرف الإمام شخصياً أخبره بأن تعليمات شفهية من الوزارة وصلتهم بإحكام سيطرتهم على المساجد حتى يكون للأوقاف وحدها النفوذ عليها وتقييد البقية.

ويرى الشيخ الأزهري أن “الأوقاف تحاول تقييد واعظي الأزهر، وأن تسيطر على الخطاب الديني، حتى تصبح في الواجهة، وتجعل من دور الأزهر هامشياً”.

الشيخ عبدالغني هندي عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع للأوقاف وعضو مجلس إدارة مسجد الحسين يستبعد أن يكون الخلاف قد وصل لحد المنع من المساجد، “فأي من الجهتين، الأوقاف والأزهر، لا تقوم بدورها”، إلا أنه يقر في حديثه لـ”هافنتغون بوست عربي” بوجود خلاف متنام بين المؤسستين. “أبرز محطات الخلاف ظهرت عندما تسابقت المؤسستان على عقد مؤتمرات تجديد الخطاب الديني بعدما أشار له الرئيس، فكانت وزارة الأوقاف تنظم مؤتمراً فيعلن الأزهر عن مؤتمر في اليوم التالي بالعنوان نفسه. هذا يصدر بياناً ليرد الآخر ببيان أيضًا، ما أظهر للجميع أن هناك تصارعاً وتسابقاً بين المؤسستين ومحاولات للقفز على الآخر”.

فصل مستشار شيخ الأزهر

فصل الدكتور محمد السلام مستشار شيخ الأزهر القانوني من عمله بوزارة الأوقاف على يد الوزير مختار جمعة حين كان عبدالسلام متحدثاً ومستشاراً للوزارة جاء في إطار هذا الخلاف بين الطيب وجمعة، في رأي الشيخ هندي، الذي يعتبر “ما يحدث بين الأزهر والأوقاف سقطة كبيرة يتمنى تداركها سريعاً خاصة في مسألة الخطبة المكتوبة التي أظهرت للعيان الخلاف الشديد بين المؤسستين، وفي استمرار الصراع خسارة للدعوة”. إذا دعونا الناس لوحدة الصف والاعتصام بحبل الله جميعاً سيقولون مشايخكم ليسوا صفاً واحداً.

يضيف الشيخ هندي: المفترض وزير الأوقاف كان استشار الأزهر قبل إقرار الخطبة المكتوبة، والمفروض أن يتصل به شيخ الأزهر لتبيان أوجه اعتراضه قبل الخروج ببيان للإعلام”.

الاتصال مقطوع

“الاتصال قطع بين شيخ الأزهر ووزير الأوقاف منذ الحديث عن شبهات فساد بوزير الأوقاف ولم يتواصلا من حينها” هكذا أوضح إسلام عبدالعزيز الباحث في شؤون الأزهر والمؤسسات الدينية.

الشيخ الطيب هو من رشح جمعة لتولي حقيبة الأوقاف لأنه كان مسؤول المكتب الفني لشيخ الأزهر، “ولكن طبيعة شخصية جمعة وتطلعاته الكبيرة تجعله يتخطى أي حد في سبيل وصوله لغايته”، بحد قوله.

ويحكي إسلام عبد العزيز عن صعود نجم وزير الأوقاف الطموح، “على المستوى الشخصي أعرف مختار جمعة منذ كان واعظاً عادياً في الجمعية الشرعية، وتدرج سريعاً ليصبح عضواً في هيئة علمائها، ثم عضواً في هيئة الكبار، ثم في اللجنة التنفيذية التي تدير الجمعية. وعندما انتقل للمكتب الفني بعد ثورة يناير انقلب على محمد مختار مهدي رئيس الجمعية وهيئة كبار العلماء التي ترعرع فيها”.

الصراع والسباق ليس بين الأوقاف والأزهر وحسب كما يضيف عبدالعزيز ولكن بين الثلاث مؤسسات الدينية في مصر “الأزهر والإفتاء والأوقاف” فكل منها تسعى للبقاء في الكادر أمام النظام ولنيل الرضاء منه خشية تغييرات هيكلية تطرأ على مؤسسته، فكانت خطبة الجمعة المكتوبة جزءاً من لهث الأوقاف لطمأنة الدولة بأنها تسيطر على المنابر لتجنب أي خطاب متطرف. “بحسب معلوماتي بدأ الشيخ الطيب في التخلي عن جمعة بالتدريج بعدما وصلته أخبار مؤكدة أن جمعة يحاول أن يتقرب للدولة على حساب المشيخة، بجانب خلاف جمعة الدائم مع محمد عبدالسلام المستشار الأقرب لشيخ الأزهر”.

ويؤكد عبدالعزيز على أن مصادره داخل المشيخة أثبتت أن “أذرع الأزهر” هي من كشفت فساداً في بعض المؤتمرات التي كان ينظمها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع للأوقاف، وحقق الجهاز المركزي للمحاسبات حينها في هذا الأمر.

“نقاط الخلاف لم تعد خفية بين المؤسستين، بل أن الطيب من طلب بقاء وزير الأوقاف وفقاً لمعلوماتي المؤكدة في التعديل الوزاري الماضي، بعدما شعر أن الجميع لاحظ الخلاف وخشي أن يقال أنه من أطاح به من الوزارة لعلمه بحساسية منصب شيخ الأزهر”.

ودلّل على واقعة الخلاف بين الثلاث مؤسسات بأن الأزهر أراد أن يطلق قناة “الأزهر الشريف” وكان علي جمعة المفتي حينها قد استطاع بعلاقته بإحدى الحكومات الخليجية جلب تبرع كبير للقناة، “ولكن بمجرد دخول الأموال حساب القناة سيطر محمد عبدالسلام عليها وأقصى علي جمعة، ومعه اللجنة التي كانت مسؤولة عنها”.

ورجّح عبدالعزيز ألا يبقى مختار جمعة في التعديل الوزاري القادم لأن “معسكر المشيخة هو الذي يفوز دائماً. الشيح أحمد الطيب هو الأذكى، ويمسك خيوط اللعبة بكل مهارة، وبطريقة أفضل من مختار جمعة بكثير، ولكن ستظل الثلاث مؤسسات تتصارع على أن تكون هي الممثلة للأمور الدينية في مصر”.

لكن هل تبدو في الأزمة بوادر حوار أو وساطة؟

وأما الشيخ قرشي سلامة نقيب الدعاة بمحافظة قنا يرى أن الحل في الدعوة إلى حوار مباشر بين شيخ الأزهر ووزير الأوقاف، “لأن هذا الاجتماع كفيلٌ بإنهاء الخلاف المصطنع من الأجهزة التي لا تريد الخير سواء للأزهر أو الأوقاف”.

كل الدعاة متضررون من الموقف الراهن ومن انقسام العلماء في رأي الشيخ قرشي، الذي يضيف أنه “لا يجوز أن نجد الأزهر في جانبٍ والأوقاف في آخر، فنحن خريجو الأزهر ونعمل في الأوقاف”.

هافينغتون بوست عربي