الصادق الرزيقي

أين العلماء؟


> مبادرة منتدى الكرامة الإفريقي الذي كرَّم رئيس الجمهورية كرمز للكرامة والعزة في إفريقيا، تفتح المجال واسعاً وتسلِّط الأضواء على قضية جدلية مهمة في السودان وإفريقيا وعالمنا الثالث، حول دور المثقف والنخب المتعلمة في الشأن العام، والقراءات الاستشرافية المتقدمة لهذه النخب لما تنطوي عليه تطورات الأوضاع الداخلية والخارجية وقيادتها للمبادرات الفاعلة التي تعبر عن الشعوب، وأصبحت الصفوة المتعلمة وهم جموع الخبراء والمفكرين والعلماء وأساتذة الجامعات يتقدمون من منصة الجامعات والمعاهد العلمية ومراكز البحوث يمثلون تشكيلات جديدة في العمل المدني لها تأثيرها الكبير الذي تفوقت فيه على التشكيلات الكلاسيكية التي كانت تحتكر النشاط كمنظمات مجمع مدني او هيئات نقابية وجمعيات أهلية وغيرها من أنساق العمل التقليدية المعروفة . > وأكدت المبادرة التي قادها علماء وأساتذة جامعات إفريقية وليس مجموعات سياسية، إن البديهي والمعروف بالضرورة هو استباق العلماء لغيرهم في إدراك ما يجب أن يُدرك في مصائر الأمم والشعوب والبلدان، وتنبُّههم ويقظة عقولهم في معرفة المخاطر والتحديات التي تواجه أوطانهم، كما أن لديهم معيارية علمية دقيقة تقوم على الحقائق المجردة والرصد والتحليل وضوابط صارمة غير التي تتوفر لدى المنظمات والتكوينات السياسية والواجهات الحقوقية والمنظمات التي تتولى الواجبات الدفاعية وهي تعرف حجم مساحاتها ونطاقات حركتها . > فقيام جهة علمية إفريقية بهذا التكريم لرئيس الجمهورية باسم إفريقيا والإفريقيين، يفتح مباشرة كوة للحديث عن الدور المطلوب من المثقف السوداني، وعن علاقة العلماء بالأوضاع السياسية والهموم الوطنية. > لقد مرت طبقة العلماء والمثقفين وأساتذة الجامعات بفترات مختلفة من الحكم الوطني تم فيها استصغار شأنهم وتهميشهم بعيداً عن مواقع صنع القرار، ولم تستطع كثير من الواجهات والتكوينات والمجالس الاشتشارية للوزارات أو الهيئات شبه العلمية استيعاب طاقاتهم وقبسات أفكارهم وعلمهم وتسخيرها للمصلحة العامة . > فإذا كان دور المثقف والعالم والخبير المطلوب منه في الشأن العام قيادة المبادرات ذات الأثر الفاعل في المجتمعات، وقرع أجراس الخطر لتنبيه الأمة، والتصدي بشكل واضح لما يُحاك من مؤامرات ودسائس، كما فعل العلماء وأساتذة الجامعات الإفريقية في منتدى العزة والكرامة، فإننا نلحظ تراجعا ًكبيراً في هذا الدور في الآونة الأخيرة، وقد يكون سببه المباشر أن الدولة لم تُتح ما يكفي من فرص للاستماع لرأي العلماء والخبراء، في قضايا الهم العام مثل الاقتصاد والسياسة والاجتماع وغيرها من الاهتمامات والشواغل العامة، وربما أيضاً يكون هناك سبب آخر مرده إلى المفكرين والعلماء وأساتذة الجامعة بعزوفهم وانعزالهم في محاريب العلم والجامعات وتركهم المجال للسياسيين المحترفين ومن يجيدون أكل الكتف السياسي . > ومطلوب من الدولة الارتقاء بشأن العلماء وأساتذة الجامعات وأهل الخبرات، وإنزالهم منازلهم المستحقة، وتقريبهم من مناطق صنع القرار، ووضع معيار صارم باعتماد الكفاءة والقدرة والخبرة شرط أساسي في العمل التنفيذي والتكليف العام ، فالأمم تنهض بالعلم والمعرفة وأهل النظر، ولن تفلح أمة ذهبت للبحث عن استقرارها وتقدمها تطورها بعيدا ًعن العلوم والمعارف، فما أضر شيء بالسودان وتجربته الراهنة بكل نجاحاتها وتصميها وإنجازاتها، مثلما أضرت به المحاصصات السياسية والتوزانات الجهوية والمناطقية ، وهي تُعلي أقواماً فوق أهل الاختصاص والشأن، وقد ثبت لنا عملياً من تكريم أديس للسيد الرئيس أن العلماء يتقدمون ويفعلون ما تمليه عليهم ضمائرهم وانتماءاتهم الحقيقية، وليست لديهم حسابات سياسية ولا تقديرات في أين يضعون عند الخطو أقدامهم..؟! > فإذا كانت المبادرات الكبيرة تقود إلى هذا المنجز الضخم بتكريم السيد الرئيس، وجد فيه أعضاء المنتدى من أساتذة الجامعات الإفريقية أنفسهم أمام واجباتهم الوطنية والقارية ونظروا بعمق وضمير حي للواقع الإفريقي وتعقيداته ومشكلاته وجابهوا التحديات التي تواجه الأفارقة وقادوا المعركة الحقيقية ضد الاستعمار الجديد الذي تمثله المحكمة الجنائية الدولية ، فإنهم يسبقون السياسة ومحترفيها في كل القارة والحكومات جميعاً والبرلمانات ومختلف التكوينات في العمل الرسمي الإفريقي المشترك، بل يوفرون أرضية صلبة يمكن أن تقف عليها كل هذه الجهات وخاصة القادة وحكوماتهم لإنهاء النزال واختتام القتال ضد المؤامرات الغربية وإلحاق الهزيمة المنتظرة بالمحكمة الجنائية الدولية. .