الطيب مصطفى

من يقتص لنا من بريطانيا؟(1-2)


إنها أكبر الشياطين في شتى عصور التاريخ .. لا تندهشوا لتغافلي عن أمريكا فلا فرق بينهما ذلك أنهما امتداد لبعضهما سيما بعد أن ورثت أمريكا ابنتها انجلترا ، سليلة دهاقنة الاستعمار الانجلوساكسوني ، في السيادة على الكرة الأرضية.
أحكي لكم ثأراً شخصياً هو الذي ورثني بغض هذه الدولة الاستعمارية وما كان للانفعال الشخصي أن يأخذ بتلابيبي وكياني وأنفاسي ويتملكني تماماً لولا أن سيرة ومسيرة تلك الدولة الاستعمارية عبر العالم أجمع وعبر حقب التاريخ لم تترك لقيمة العفو متنفسا تتسلل من خلاله لتخفف من مشاعر الحنق والغضب عليها وعلى وريثتها شيطان العصر الأكبر (أمريكا) التي لا تزال تجثم على أنفاسنا فاعلة بعالمنا الإسلامي خاصة وبالعالم أجمع الأفاعيل.
حكى لي والدي الحبيب رحمه الله أنه كان ذات مرة في شبابه الباكر راكباً حماره من شندي إلى حوش بانقا أيام الاستعمار وعندما أوشك على الوصول رأى المفتش الإنجليزي ممتطياً فرسه في زهو وكبر فقال في نفسه : (والله الخواجة ابن الكلب ده ما أنزل ليهو) .. كان الناس وقتها لا يركبون دوابهم في حضرة الخواجة أو قل المفتش الإنجليزي بل ينزلون احتراما وإذعانا.
قال أبي إنه اندفع بحماره ركضاً باتجاه النيل بعيداً عن الخواجة فإذا بالخواجة يلحق به ويقول له : (فهمت قصدك .. أنزل) ونزل أبي وظل ماشياً على رجليه قائدا حماره إلى أن وصل حوش بانقا بينما كان الخواجة راكباً حصانه حتى فارق والدي بعد ذلك.
ذلك التقليد الإستعماري لم يكن قاصراً على السودان الذي كان يحظى بمعاملة أفضل نظراً لعزة شعبه فقد كان الإنجليز يمتطون ظهور الشعوب التي يستعمرونها وفعلوا ذلك في كثير من مستعمراتهم كالهند والدول الأفريقية، وقد فعل الرئيس اليوغندي عيدي أمين بهم ما فعلوه بشعبه حيث كان يمتطي ظهورهم وذلك مما أهاج الغرب عليه.
مرت سنوات على تلك الواقعة وزار والدي الخرطوم ربما لأول مرة فوجد الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال قد انطلقت وتفاعل معها بإعجاب شديد فقال (بالله في رجال بقولوا للخواجات الذالننا ديل أمرقوا من بلدنا ؟ عليّ الطلاق بلدا فيها رجال ذي ديل ما أفارقها).
كان ذلك سبب هجرة والدي إلى الخرطوم والذي ظل والدي رحمه الله يحكي قصته لنا من حين لآخر إلى أن توفي رحمه الله وأحسن إليه وجمعنا في عليين.
كنت في الثالثة من عمري عندما هاجر أبي إلى الخرطوم واستقر بكوبر لكننا لم ننقطع عن حوش بانقا وعن مسقط رأسي (الهوبجي) وعن المتمة وشندي.
في الخرطوم كان والدي يأخذني معه إلى بعض المناسبات القومية بما في ذلك يوم جلاء الجيش البريطاني الاستعماري ورفع العلم السوداني ..لم يكن والدي أميا فقد تعلم في الخلوة وكان شاعراً شعبياً تسير بأشعاره الركبان ومقرباً من الأزهري يسنده بأشعاره (الملحنة) التي كان يُلهب بها أكف الجماهير في الليالي السياسية. والحديث عن حاج مصطفى عبدالرحمن يطول فقد كان يقيم المساجد بالجهد الشعبي (مسجد كوبر الكبير مثلاً) والمدارس ويقود المجتمع ويصلي الجمعة بالناس وهناك مدرسة ثانوية حكومية للبنات تحمل اسمه تقديراً من أهل كوبر لبذله وعطائه في سبيل رفعة المنطقة.
آسف للاستطراد ، فقد مرت الأيام وقرر اتحاد إذاعات الدول العربية في عام 1997 ، ومقره تونس ، عقد أحد اجتماعاته في لندن باستضافة من قناة الـMBC فجاءني مدير العلاقات العامة بالتلفزيون أحمد مختار ليخبرني أنه مطلوب مني أن أمثل أمام قنصل السفارة البريطانية لإجراء معاينة حتى أمنح التأشيرة ..في تلك اللحظة .. عادت بي الذكرى إلى قصة أبي مع المفتش الإنجليزي حيث أنه لم يكن هناك أدنى مبرر لذلك القنصل ليطلب مني أن أقف بين يديه طالباً التأشيرة، فبريطانيا ليست أكثر من دولة مقر للقناة التي قدمت لي الدعوة مثل مقر الأمم المتحدة في نيويورك الذي يفترض أنه لا يقع تحت سلطة الإدارة الأمريكية وليس من حق أمريكا أن تحجب التأشيرة عمن تدعوه المنظمة الدولية.
قلت لأحمد مختار ذات العبارة التي قالها والدي قبل نصف قرن من الزمان وهو يقرر أن يتخذ الخرطوم موطناً يخرج به من إذلال المفتش الإنجليزي : (ذلك المتغطرس يريدني أن أقف مستكيناً أمامه كما نزل والدي من حماره ؟ عليّ الطلاق ما أمشي السفارة).
كنت الوحيد من بين مديري الفضائيات العربية الذي غاب عن اجتماع لندن وقدمت شكوى لوزير الخارجية د.مصطفى عثمان الذي أخبرني فيما بعد أن السفارة البريطانية اعتذرت عن تصرفها الأخرق.
زرت معظم دول أوروبا الغربية مراراً لكني لم أزر لندن إلا مرة واحدة إذ جئتها بالسفينة عبر بحر الشمال من هولندا حيث كنت أتلقى دورة هندسية عام 1974 – 1973في رحلة لم تزد عن أيام قليلة ولم أرغب في تكرار الزيارة.
تلك كانت تجربتي الشخصية مع الاستعمار البريطاني، أما بريطانيا التي أذلت الشعوب فسأذكر بعضاً من قصتها غداً بإذن الله.


تعليق واحد

  1. مع انى معك على طول الخط ، الا اننى لا أحبذ الفجور فى الخصومة ومناطحة الصخر ، ومعاندة البحر ، فاترك حمار جدك وانظر الى مانيلا ماذا فعل به وماذا فعل هو ، فنرجو ان نترك ما تفعله دول الاستكبار وماذا فعلنا نحن بانفسنا مع تحياتى ،