عثمان ميرغني

الـ (لاءات) الثلاثة


الأستاذ الخطيب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني صرّح لصحيفة (التيار) أمس.. خلال جلسات المؤتمر السادس لحزبه.. ان المفصولين من الحزب لن يعودوا أبداً.. وأظنني سمعت نفس التصريح من السيد محمّد الحسن الميرغني نائب رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي “الأصل”.. في حديثه عن المفصولين من حزبه.. وقبله سمعنا نفس التصريحات من حزب المؤتمر الوطني تجاه مجموعة د. غازي صلاح الدين..
ومن حزب الأمة القومي تجاه مجموعة مبارك الفاضل وآخرين.. ومن حزب الاتحادي الديموقراطي تجاه مجموعة إشراقة.. وأحزاب أخرى كثيرة كلها تعتد بـ الـ(لاءات) الثلاثة.. لا للصلح.. لا للعودة.. لا للتفاوض مع المفصولين من الحزب.. أي حزب وأي مفصولين وبأيّة تهمة..
من المُلائم أن نعترف بأنّها سمة سودانية محضة.. حكاية الأحزاب التي تفصل قياديها فقط لأنّهم حاولوا التفكير – لا التغريد – خارج سرب الحزب.. كأنّما الأحزاب مُنظمّات (مافيا) حجراً محجوراً لمن يمسك بتلابيب الحزب.. حتى يفلته..
وفي أغلب التجارب – تجارب الفصل الحزبي – تنتهي حكايات المفصولين بيأسهم من الحزب الأم واضطرارهم لتأسيس أحزاب منشقة ومشتقة من اسم الحزب ذاته.. فنحصل على اثنين (مؤتمر) أحدهما وطني وآخر شعبي.. وثالث (إصلاح الآن).. ونحصل أيضاً على حوالي عشرة أحزاب “أمة”.. ومثلها أحزاب “اتحادي”.. وطائفة طويلة من أحزاب مُنسلخة تلدها أحزاب سالخة.. وفي مرات فريدة يظهر جيلٌ ثالثٌ للانشقاق.. فينشق الحزب المنشق نفسه كما هو الحال في تجربة حزب (العدالة) المنشق من المؤتمر الوطني.. ثم العدالة القومي المنشق من العدالة المنشق من المؤتمر الوطني..
هذه الظاهرة لا يقف ضررها في إضعاف بنية الأحزاب وتجريف عضويتها.. بل يضرب بعُمق مبدأ (الرأي الآخر) داخل أسوار الأحزاب.. فينشأ المبدأ العام (لسانك حصانك.. إن صنته صانك).. فيبتلع الساسة ألسنتهم ويطووا عقولهم ويخلعوها عند عتبات الحزب كما يخلع العابد المُتبتل نعليه قبل الدخول إلى المحراب..
مثل هذا الحال لا ينجب أحزاباً قويمة.. بل يقعد البلاد كلها حينما ترجّح كفة النفاق كفة الصدق.. ويصبح السياسي الذكي القادر على القفز بالزانة من منصب إلى آخر.. هو القادر على إعارة ظهره لتمتطيه أجندة القادرين على الإمساك بالزمام.. زمام الحزب..
ليس من سبيل للإصلاح.. إن لم تتوفر ضمانات الرأي الآخر والحريات داخل أسوار الأحزاب..