تحقيقات وتقارير

صيوانات الأفراح.. دق الريحة وحنة العروس.. اختفاء من المشهد


رغم العنت والظروف الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها المواطن في السودان، ومع عزوف كثير من الشباب عن الزواج، إلا أن المجتمع مستمر في ابتداع أشياء مبالغ فيها في طقوس الأعراس، ولا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا السمحة، حتى بات الزواج حملاً ثقيلاً وهماً، جعل الكثيرين يهربون منه خشية الدخول في معركة خاسرة لا طاقة لهم فيها، وآثر البعض منهم الجلوس والنظر لما يحدث من بعيد.

صالات الأفراح
اختفت الصيوانات (الخيم) التي تنصب معلنة عن زواج (فلان) من (فلانة)، وظهرت بثوب جديد صالات الأفراح المقتبسة من مظاهر المناسبات في بلاد أخرى لم تحظ ببيئة وجو مثل ذلك الذي حبانا به الله سبحانه وتعالى، لكننا لا ننظر للأمر إلا من خلال زاوية ضيقة جداً تهتم بالمظاهر و(البوبار) وإن كان في بيت إيجار كما يقول المثل. وفي السياق، تقول أم مهاد (ربة منزل): “انتهى زمن نصب خيمة العرس أمام منزل العروس التي تجمع الأهل والأصدقاء وعلى رأسهم الجيران، وأصبحت الفرحة موؤدة من بدايتها حتى النهاية”. واتفقت رجاء الشيخ (موظفة) مع أم مهاد. وأضافت: “دعوة الفرح اختصرت على الصالة مساءً بعد أن كان الأهل والجيران يجهزون تلك المراسم بفرح، وكانت البهجة والسرور هي ما يجمع بينهم”.

احسن حال
وفي السياق، يؤكد سعيد محمد (موظف) أن الأسعار في ارتفاع مستمر، وأن أسعار الصالات إذا ما قورنت بالصيوان (الخيمة) نجدها أخف وأفضل رغم أنها تقليد أتى من الخارج. وقال: “تجربتي تؤكد ذلك، فإن سعر صيوان المناسبات ارتفع بشكل خرافي ويستحيل على أسرة عادية إمكانية استئجارها”. ومضى في حديثه: “لقد استأجرت غرفتين فقط الأسبواع الماضي بـ (3) آلاف جنيه، وهو سعر لم أتوقعه، وبذلك نجد أن تأجير صالة بكافة لوازمها من ترابيز وكراسي وكهرباء أرخص بكثير”. وأضاف: “رغم غلوها وعدم استطاعة الكثيرين، إلا أن الصيوانات التي كانت تنصب أمام المنزل ليشارك في الفرحة أكبر عدد من الأهل والجيران لا تفرق عنها كثيراً”.

دق الريحة
ولفتت سهير عبدالرحمن (ربة منزل) إلى أن التسعينيات وحتى مطلع الألفينات كانت مراسم الزواج وطقوسها لها مذاق آخر ابتداءً من دق الريحة التي تحضرها نساء الحي وتصنعها السيدات بأنفسهنّ وتبدأ طقوسها من الصباح وتنتهي مساءً بعد أن يفوح عطرها ويملأ المكان، على أنغام الدلوكة والزغاريد التي لا تتقف إلا بانتهاء آخر مراسم الزواج، وتابعت: “عرس اليوم طغى عليه الصرف البذخي وأصبحت الريحة تشترى جاهزة من غير فرحة الأهل والجيران”.

حنة العروس
أشارت إنجي خليل (ربة منزل) إلى أن تخضيب العروس بالحنة كان من الضروريات، وقالت: “كانت توضع حنة العروس بعد الفطور الذي تصنعه النساء بانفسهنّ وتتجمع الصحبات والأهل والأقارب والجيران حول العروس وتضعها من تجيد ذلك من النساء الموجودات على أنغام الدلوكة وعندما تطورت تأتي حنانة وترسم القدم بالحنة، في العصر يطبقوها مرة أخرى، وقبل المناسبة بيوم تذهب لينقش لها بالصبغة اشكال جميلة ومميزة”. ومضت إنجي في حديثها: “انتهى ذلك مع تطورات ومستحدثات الحياة، لاسيما الجيل الجديد الذي فضل رسم الصبغة مباشرة، واضحت حنة العروس مجرد حفل مختصر على الأهل وبعض الأصدقاء”.

فطور العريس
كان يصنع فطور العريس بفرح دون عناء وأصنافه معروفة، تصنعه النساء أيضاً، أكدت ذلك خديجة إبراهيم عندما قالت: “كانت أصناف الفطور عادية تصنعه السيدات بهمة وفرح وتذهب بعض السيدات الكبار لتوصيله، ويقدم أهل العريس هدية بسيطة لهنّ بعد أن يتناولوا معهم الطعام، أما الآن أصبح فطور العريس عبئاً كبيراً على أهل العروس حتى أنهم يمنون أنفسهم لو أعفوا منه، سيما في ظل المبالغة التي تمارس في تحضيره، ودللت بالعصيدة المحشية بالملاح التي ظهرت مؤخراً في فطور العريس وشاي لبن العريس، وغيرها من البدع متزايدة رغم المعاناة وضيق العيش”.

اليوم الختامي
وفي يوم العرس، تقول نعيمة سليمان (ربة منزل): “تأتي السيرة بالبصات أو الحافلات ويخرج أهل العروس لاستقبال أهل العريس احتراماً وتقديراً لهم”. وأردفت: “والسيرة للذين لم يشاهدونها تضفي مذاقاً ورونقاً للعرس، الصالات وأدت طعم الفرح وصار كل واحد يمشي بطريقته الخاصة”.
وأضافت نعيمة: “وكان يختتم العرس بالصبحية، وسميت كذلك لأن العروس ترقص صبحية الاحتفال بعد ارتدائها الثوب الأحمر والفستان القصير المطرز الذي فُصل خصيصاً لذلك، وتذبح الخراف ويوزع الفال والشية والفواكه بعد انتهاء مراسم الجرتق، وتنتهي المراسم بفرح وسرور متمنين للعروسين حياة سعيدة بنفوس طيبة”.

متغيرات مجتمعية
أشارت الباحثة الاجتماعية أماني عمر إلى المتغيرات التي حدثت في المجتمع السوداني منذ الاستقلال وحتى الآن. وقالت: “لم تعد الخارطة المجتمعة للسودان كما كانت منذ سنوات، سيما في ظل التطور المهول في وسائل الاتصال التي فتحت آفاقاً واسعة أمام الشباب، خاصة تلك التي يشاهدونها عبر القنوات الفضائية المتعددة أو تلك التي تلازمهم في هواتفهم الجوالة يدخلونها عبر الانترنت، فضلاً عن الهجرات الخارجية لدول المهجر والاغتراب في دول مختلفة التي زادت وتيرتها في السنوات الأخيرة الماضية، والتي ساهمت في تشكيل وجدان أجيال تأثروا بعادات تلك الدول ونقلوها دون حذف أو إضافة”.
وحذَّرت أماني من خطورة الصرف البذخي في تلك المناسبة، ونبَّهت إلى ضرورة العودة إلى الجذور وممارسة العادات والتقاليد الإيجابية التي تشجع الشباب على الزواج، مؤكدة أن البدع التي تقوم لعض الأسر تساهم بشكل مباشر في ارتفاع نسب العنوسة بعد عزوف الشباب عن الزواج، وطالبت بالرجوع وممارسة الطقوس بطريقة تمكن الجميع من ممارسة حقهم بكرامة.

الخرطوم – زهرة عكاشة
صحيفة اليوم التالي