الطاهر ساتي

الخيال و الإرادة ..!!


:: قبل أسابيع، أشدت بالنص : قرروا رفع أثقال الرسوم عن ظهور أطفال الدرداقة بالسوق المركزي، ثم فتح فصول التعليم والتأهيل لهؤلاء الأطفال بعد أن كانوا أرقاء لمتعهد المحلية ..ثم قرروا رفع أثقال الرسوم وهراوات الشرطة عن بائعات الشاي بالمحلية، ليعملن بلا رسوم و بلا مطاردات، وبلا إبتزاز وضيع.. فالسادة المعتمد و المدير التنفيذي وكل العاملين بمحلية الخرطوم بحري يختلفون عن الآخرين بالإنحياز لملح الأرض .. فمن أين أتى هؤلاء الرحماء ..؟؟

:: وصباح أمس، كان الموعد مع مشروع تعليم وتأهيل ( المنسيون في الأرض)، بحيث يكونوا من أهل العلم والمعرفة باذن الله .. والفترة ما بين يوم القرار و موعد التنفيذ كانت أسابيع (عمل أيضاً).. بلاصخب، تم تجهيز فصول التعليم ومحو الأمية – بمقاعدها – في مواقع العمل ..وبلا ضجيج، تم إنهاء عقد متعهد الدرداقات و شراء الدرداقات ثم تمليكها – مجاناً – للتلاميذ الصغار .. وبلا ضوضاء، تم تجهيز كادر التعليم والإشراف ثم الكتب والكراسات والأقلام و الأزياء المدرسية والرياضية ..!!

:: وبهدوء، تم االإحصاء ثم تبليغ الصغار ( البشرى السارة).. إمتلك الدرداقة (مجاناً)، ولا تدفع للمحلية (جنيهاً)، ولكن بشرط العودة إلى مقاعد التعليم وفصول التأهيل، وأن تكون ساعات العمل بعد ساعات الدراسة ثم الجمعة والسبت.. تم كل هذا بكامل الشراكة مع بعض شركات ومنظمات المجتمع التي وجدت (القدوة)، فساهمت .. ولم يكن المشهد مفرحاً فحسب، بل كان فرحاً لحد الدموع .. تدافع الصغار بفرح إلى (مركز التسجيل)، لتوثيق الأسماء والأعمار و المحطات التي تعطل فيها قطار تعليمهم ..( إسمي ..عمري 13 سنة .. ساكن .. ولي أمري أمي، أبوي ميت، قريت لحد سنة خامسة.. عايز أواصل).. !!

:: وفي تفاصيل سردهم، تطرق رائعة هاشم صديق و بطاقة تعريفه – في جواب مسجل للبلد – باب الخاطر ..( اسمى هاشم، امى آمنة / ابوى ميت وكان خضرجى ومرة صاحب قهوة فى ركن الوزارة / وبيتنا طين واقع مشرم، ولما حال الطين يحنن نشقى شان يلقى الزبالة).. وشقاء أسرهم أخرج هؤلاء من فصول التعليم إلى ساحات العمل، حتى سخر الله لهم اللواء م حسن محمد حسن ( المعتمد) والأستاذ السنوسي سليمان (المدير التنفيذي) والأستاذ الصادق عوض (مدير التعليم بالمحلية)، وآخرين كالنحل حراكهم ليهبوا الصغار رحيق أفكارهم و جهدهم ..!!

:: صباح الأمس، على غير عادتهم، خرجوا من منازلهم بعد أن تزينوا بالزي المدرسي وعلى أكتافهم الحقائب المدرسية ..ليستقبلهم المعتمد وأركان حربه وكادر التعليم والإشراف أمام فصولهم..وتسابقوا نحو الفصول ببراءة الأطفال وبتلك (الشقاوة الجميلة)، والتي كانت مفقودة في حياتهم قبل هذا الصباح.. (133 طالبا)، تتراوح أعمارهم ما بين (10 / 24 سنة)، توزعوا ما بين مرحلتي التعليم و التأهيل ومحو الأمية، وهذا نصف الراغبين.. وبرغبتهم حرضوا النصف الآخر على التدافع نحو التسجيل، ليُلعن المعتمد بأن قادمات الأيام – باذن الله – هي موعد تجهيز فصول ومعدات وأدوات ( كل الراغبين)..!!

:: ( لن نعزلهم، والفصول لإعادة تأهيلهم – نفسياً – ثم لإختبار المستوى الأكاديمى قبل توزيعهم في مدارس المحلية حسب مواقع سكنهم، ثم الإشراف عليهم في المدارس ومواقع العمل، فنحن أولياء أمورهم)، ثم يواصل المعتمد قائلاً : ( والآن نعد في دراسة إجتماعية لأسرهم حتى لا يدفع هؤلاء الأطفال ثمن الظروف الإجتماعية والإقتصادية).. بالخيال والإرادة، ثم بصدق الإنتماء للبلد والشعب، يصنع أي مسؤول الفرق بينه والمسمى – مجازا – بالمسؤول الآخر …!!