جمال علي حسن

“يوجا” الشيوعي السادس.. ارتقاء أم هروب


ما ضاق حزب أو ضاقت قيادته برأي مجموعة أخرى من القيادات إلا وكانت النتيجة العاجلة أو الآجلة هي ظهور انقسام في هذا الحزب.
وخلال مسيرة الحزب الشيوعي السوداني منذ بداية نشاطه الفعلي قبل سبعين عاماً شهد عدة انقسامات وعمليات إبعاد وثقت أبرزها مذكرات قياداته التاريخية، لكن في الواقع أن عمليات التسرب من التنظيم وتخلي أعداد من الشيوعيين عن الحزب في فترات مختلفة ولظروف مختلفة، هذا التسرب لم يكن سهلاً رصده أو لم تكن هناك ربما رغبة في رصده وإبرازه لكنه يظهر من خلال النظر في عدد العضوية الحالية المنتظمة الضئيلة جداً لحزب كان قد لمع بريقه وسطع نجمه وحشد في فترات المد اليساري الآلاف من العمال والطلاب والمثقفين في قائمة عضويته.
كان حزباً كبيراً له عضوية لا يستهان بها بل استطاع بعد أكتوبر الحصول على 11 مقعداً برلمانياً، بينها مقعد لأول نائبة برلمانية في الشرق الأوسط هي فاطمة أحمد إبراهيم، لكن بداية الضمور والوهن في جسده بدأت تظهر منذ ما بعد انقلاب مايو عام 69 ..
لن يستطيع من يتحدث اليوم عن خروج الحزب الشيوعي من المؤتمر السادس أكثر قوة ووحدة أن يقنع أحداً بشواهد هذه الوحدة وهذه القوة في ظل استمرار الهروب من مطالعة ومراجعة الحزب لكتابه ومنهجه السياسي والفكري بالشفافية والصراحة المطلوبة..
كيف نتخيل أن تتنزل هذه القوة التي تتحدث بها قيادات الشيوعي الآن على حزب دخل هذا المؤتمر وهو في حالة ضعف أو وهن لا ينكره هو نفسه ثم لم يقبل بتناول أية عقاقير أو فيتامينات علاج أو ترقية أو تطوير ولم يقبل بإجراء أية مراجعة أو تغيير في منهجه وأسلوبه الذي فقد به كل هذا الصيت القديم وذلك البريق الذي يحكيه من عاش أيامه..؟
كان من المقبول أن يتحدث قادة الشيوعي عن نجاح مؤتمرهم العام السادس في تحقيق هدفه لو قدموا حيثيات وشواهد مقنعة على قيام الحزب في هذا المؤتمر بمعالجة المشكلة أو المشكلات التي تسببت في تراجع حجمه ودوره وفعاليته.. أما نجاح عقد المؤتمر العام كفعالية إجرائية مع الإصرار على تفادي حسم قضاياه الفكرية والتنظيمية أولاً والتي ظلت تمثل مصدراً للأزمات فإن ذلك ليس أكثر من نجاح إجرائي محدود، سيستمر بعده النزيف القاتل في شرايين الحزب..
الحزب الشيوعي لا يستطيع بكيانه التنظيمي ووضعه الراهن مخاطبة الأجيال الجديدة واستقطابهم للإنضمام إليه.. بل سيظل نادياً سياسياً محدود العضوية، وغير جاذب أو مغرٍ لارتياده بل غير حريص هو نفسه على فتح أبوابه لضم أعضاء جدد.
الحزب الشيوعي السوداني نجح في إقامة حفل هتافي وجد فيه عشاق الأحمر متنفساً أفرغوا فيه شحنات هتافية وشعروا بنوع من الارتياح وهدوء الأعصاب بعد ممارسة هذا الفعل الذي قد يكون ممتعاً وشيقاً بالنسبة للكثيرين، لكن هذه الشحنات العاطفية أو العبارات الهتافية ليست سوى ممارسة شيء أشبه باليوجا والتأمل الارتقائي، والتحليق خارج الزمن.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.