هيثم كابو

“صوت” يستحق الانتخاب


* سؤال تفجر كنهر من لهب عند اطلالتها الأولى :
يا ترى ماذا تريد أن تقول للناس هذه المطربة التي بها لفحة من (سُمرة) وعميق موهبة وهي تقف أمام عربة وتضرب على الحديد بكلتا يديها رافعة راية الاحتجاج في استبداد نبيل لم تعتده أنثى الفضائيات آنذاك، ويا له من انفعال متجاوز يصل مرحلة الهتاف علناً :-
من النهار ده ما فيش أحزان .. وحب ..
ما فيش دا كمان..!!
* سؤال كانت إجابته في تميزها الذي يعتبر بلا أدنى شك حقيقة لا تحتاج لعقيم جدال وفصاحة بيان؛ فهي الصوت المسكون بالآهات والشجن والقادر على امتلاك الأفئدة وغزو الوجدان واقتحام الدواخل بلا استئذان..!
* حضورها طاغٍ .. نبراتها تفتت الصخور الصماء، وتموجات صوتها تحملك من سطح الأرض لتحلق بك في عنان السماء ..!
* أرادت التعبير عن نفسها بصدق إحساسها فكانت المفردة المختلفة والصوت الذي لا يشبه أحداً والأداء المغاير للأنماط السائدة آنذاك .
* جاءت تحمل بصمتها رافضة ركوب موجة الحب الواهي والفرح المغشوش والرهان علي الرقص العاري على الشاشة وكأنها في (مقهى ليلي) كما فعلت غيرها من المغنيات اللائي دخلن دنيا النجومية من الأبوب الخلفية .
* شيرين عبد الوهاب .. اسم لم تصنعه الصدفة، ولم تسنده الحظوظ، ولم يتكئ على عصا المجاملة، فهي فنانة مشبعة بالموهبة حد الفيض.. اختطت لنفسها ومسيرتها ومشوارها خطاً مغايراً لكل ما هو سائد بدنيا الفن العربي، فكان النجاح حليف (آه يا ليل وجرح تاني) والغريب في أغنيتيها المصورتين (الأولى والثانية) – تحديداً – أنهما بثتا في وقت لم تكن شاشات القنوات العربية تقبل فيه سوى السفور والابتذال والرقص بمناسبة ومن غير مناسبة؛ إذ أن إبراز المفاتن والتلوي آنذاك كان شرط الإطلالة الأولى.
* كسرت شيرين القواعد المختلة وأعادت للفن هيبته وللغناء قيمته وللصوت نداوته .. جاءت أغنياتها مختلفة تماماً من حيث المفردات والسيناريو والعرض والإخراج فحققت النجاح وأصاب منافسيها الاحراج ..!!
* لم تدخل شيرين التي سبق لها الغناء في الخرطوم لدعم نازحي دارفور قلوب الشعب العربي من مراكش حتى البحرين غازية مقتحمة بفضل جمال قسمات وجهها وإظهار أنوثتها علي الشاشة كما تفعل روبي وهيفاء ومن لف لفهما من أنصاف المطربات وأشباح الفنانات .
* جاءت شيرين لتحدث هزة في عرش الغناء وتعيد صياغة المتطلبات وتصحح مفاهيم المنتجين الخاطئة .. كانت بمثابة (نيولوك) لكل ما اعتاد الناس علي معرفته والتداول معه، فإن كان مصطلح (نيولوك) –new look – يعني إضفاء مسحة جديدة على وجه الفنان تغير من شكل طلته وتكسر رتابة إطلالته المعتادة وتدهش الناس بظهور مغاير لكل ما ألفوا به المغني وعرفوه إن كان من خلال ملامحه أو تسريحة شعره أو اختلاف تقاطيعه، فإن بإمكاننا القول إن تجربة شيرين الفنية بصورة عامة تمثل (نيولوك) لوجه الغناء العربي في الألفية الثالثة، فهي بحق صوت يستحق الإشادة والانتخاب وما أن تمنحها أذنيك بسخاء حتى تأخذك معها في رحلة إمتاع ذهاباً وإياباً ، فشيرين يا سادتي تعتبر بمثابة (كفارة غنائية) لسقطات وتفلتات كل من غنت بجسدها وهي لا تملك مؤهلات (العواء) ناهيك عن (الغناء) .!
* كتبت كثيراً عن حب السودانيين لشيرين وتعلقهم بأغنياتها وخلصت في اجتهاد خاص بي – لا أزعم صحته – لأن (صاحبة لازم أعيش) تخرجت من مدرسة (الآهة) الغنائية والحزن الفني النبيل، ونحن دائماً أقرب – وفق تركيبتنا السايكلوجية والعصبية والوجدانية – إلى مسحة الحزن أكثر من دفقات الفرح، لذا كان من الطبيعي أن يبايع أصحاب الذائقة العالية من الشباب السوداني شيرين لتصبح حسهم وإحساسهم فقد جاءت مختلفة عن الأخريات في كل التفاصيل فشهد لها الجميع بالنبوغ الفني وصناعة الدهشة وخرق عباءة العادي وكسر أطر الجمود بالساحة الفنية والقفز من فوق حواجز النمطية ..!!
* المنتوج الفني الذي قدمته شيرين يؤكد للملأ أنها تمثل عافية الغناء، فيكفي أنها ضخت الطرب في أوردة المستمعين ونفخت الروح في جسد الألحان وأعادت الكلمات إلى مربع المضامين، فمن أراد تحرير شهادة براءة لذوقه ونزع اعتراف صريح بعلو حسه وسلامة ذائقته فعليه الإسراع باكتساب عضوية حزب (أنصار شيرين)..!!
نفس أخير
* غلطت مرة
وقلت على الرخيص غالي
جرحت قلبي
وجرح القلوب غالي!