الصادق الرزيقي

الحوار الوطني .. الناظر سعيد مادبو


الجمعية العمومية للحوار تلتئم مساء اليوم بقاعة الصداقة بالخرطوم، الجمعية العمومية للحوار الوطني ويشارك فيها رؤساء الأحزاب السياسية + عضو واحد من كل حزب ، والموفقين الخمسة وآلية (7+7) والأمانة العامة وأعضاء الجمعية العمومية وعددهم جميعاً (250) عضواً ، ويخاطبها السيد رئيس الجمهورية، وتتلى التوصيات التي توصلت إليها لجان المؤتمر الست بعد شهور طويلة من الحوار والنقاشات الجادة التي بدأت منذ أكتوبر في العام الماضي ، فمع تقرير الأمانة العامة والتوصيات العامة التي ستعرض ويجري نقاشها في الجمعية العمومية، سيتم الاتفاق على إعداد صيغة نهائية لوثيقة وطنية ومصفوفتها تحتوي على الموجهات العامة للدستور الدائم للبلاد . يترافق مع انعقاد الجمعية العمومية وربما يكون (بشارة خير) الحدث المهم أيضاً في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يوم الاثنين المقبل حيث توقع قوى نداء السودان على خارطة الطريق التي أعدتها الآلية الافريقية رفيعة المستوى التي تتولى الوساطة بين الحكومة وقطاع الشمال وبقية المعارضة السياسية والمسلحة ، وحسب ما قاله المهندس إبراهيم محمود مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب ، فإن الحكومة غير ممانعة في الاجتماع التحضيري لبحث كيفية مشاركة قوى نداء السودان في الحوار الوطني بعد التوقيع على خارطة الطريق ، ويتزامن مع توقيع خارطة الطريق انطلاق جولة من المفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال وحركات دارفور المتمردة حول وقف دائم لإطلاق النار في جنوب كردفان والنيل الأزرق والاتـفاق على الترتيبات الأمنية . على كلٍ ، يمثل هذا اليوم السبت فرصة تاريخية للسودانيين جميعاً للخروج بتعاهد وطني خلاق يصنع السلام ويحقق الاستقرار ويتيح تبادلاً سليماً للسلطة عبر صناديق الاقتراع ، ويغلق الطريق تماماً أمام أي عمل مسلح أو مغامرات عسكرية أو انقلابات، ليصبح الحوار الحر غير المشروط بين السودانيين جميعاً هو السبيل الوحيد لتجاوز كل أنواع الخصوات والخلافات السياسية ويبعد شبح الانقسامات الداخلية عن البلاد . ومهما قيل عن الحوار الوطني من ملاحظات أو انتقادات، فإن سفيتنه رست أخيراً إلى بر السلام ، ونجح في الوصول إلى المبتغى والمرام المطلوب، ولم يكن ذلك ممكنا ًلولا الصبر والعزيمة والحكمة وحرص السيد رئيس الجمهورية وبقية مكونات التركيبة السياسية الحاكمة على المضي قدماً في هذا الطريق وتجاوز مثبطات الهمم والدعوات الخرقاء التي كانت ترى الحوار الوطني مضيعة للوقت، وقد ثبت أن هذه المبادرة التي أطلقها السيد الرئيس في يناير 2014 إنها صنعت واقعاً جديداً في السودان وجنبت بلادنا خطر المواجهات والصدامات وتباعد المواقف ولجاجاتها . الناظر سعيد مادبو مهما قيل في الناظر سعيد محمود موسى مادبو ناظر عموم الرزيقات الذي رحل عن دنيانا في هدوء صافٍ كما الغمام الأبيض الخفيف، فإن البيان لن يعطيه حقه ولا الكلمات تعدد مناقبه، فكثير من زعماء القبائل والمجتمع عندما يتحدث الناس عنهم وتتناثر فيهم المراثي وتذرف المدامع، يتحدثون عن سمات واجبة في القائد والزعيم من صلابة وقوة شكيمة وغيرها، وهذه كلها مجتمعة في الناظر سعيد، لكن سعيدا ًأول ما يتبادر الى الناس ويجمعون عليه وما قيل عنه في رثائه، هو وورعه وتقواه وزهده وقربه من الله وطلاقه للدنيا التي كانت طوع بنانه لو أرادها لوجدها .. رحل رجل مثله قليل في بلادنا ، فهو سليل أسرة عريقة ضاربة الأطناب في مجال الإدارة الأهلية والزعامة والتاريخ فهو ناظر ابن ناظر ابن ناظر ابن ناظر، عندما تولى زعامة قبيلة كبيرة كالرزيقات في ظروف صعبة مرت بدارفور وبالسودان جميعاً، بانت فطنته وحكمته وبُعد نظره، وكان رئيساً لكل زعماء الإدارة الأهلية في الجزء الجنوبي من دارفور كلها، أسهم في إثراء دعائم مجيدة للإدارة الأهلية وأساليبها ومناهجها في العمل من أجل تثبيت الأمن والسلام والتصالح والتعايش، وجعل من الإدارة الأهلية إداة خير وتفاعل وتواصل أكثر من كونها أداة للسلطة والتسلُّط أو هي ظل للحكومات والسلطات المحلية تلقيها على المجتمعات وتسوس شأنها من خلالها .. كان له رأي مستقل شجاع ، ونفس راضية طيبة زاهدة عصية على كل غواية من غواية التسلط وطلب السلطان ، حافظ على كيان قبيلته موحداً ومتماسكاً، ومد يده متسامحا ًمع الجميع ، وكان سباقاً لإصلاح ذات البين بين كل قبائل دارفور ، ما من جهة أو صقع من أركان دارفور لم يزره ويقف فيه ناصحا ًوموفقاً بين المتخالفين ووسيط بين المتحاربين ..ولم يكن لينتظر في الملمات التي حلت بدارفور توجيها من الحكومة كانت له مبادراته المباشرة والسريعة لأنه ببعد نظره ومكانة قبيلته كان يعرف ما تؤول إليه كل الأحداث والوقائع التي تقع .. للناظر سعيد مواقف مشهودة ومعروفة في صلابة وقوة شخصيته ورأيه رغم هدوءه وصمته البليغ وتقواه البائن وورعه المشع، قد كان عابداً مخبتاً نقياً، يسع قلبه النظيف الجميع، وكانت سريرته الصافية وحكمته هي عنوان حياته حتى لاقى ربه بنفس راضية ومرضية، رحمه الله رحمة واسعة، وألحقه بالنبيين والصديقين والشهداء في جناته العلا وأثابه الفردوس في ما عمل وأفنى عمره فيه ..