يوسف عبد المنان

المشهد الآن


تتجه البلاد اليوم لمرحلة جديدة في تاريخها السياسي بدخول مقررات لجنة الحوار الوطني حيز الإعداد لعقد الجمعية العمومية التي تعني (مؤتمراً دستورياً)، ظلت الأحزاب والقوى الاجتماعية والنقابية تدعو إليه منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
أهم سمات المرحلة التي دخلتها بلادنا هي قبول الأطراف المتصارعة بالحل السلمي بدلاً من رفع السلاح واستخدام القوة، ومحاولة كل طرف إلغاء الآخر من مستوى الفعل إلى مستوى الوجود.. وبانعقاد جلسة أمس (السبت) التي وضعت أولى فصول المشهد السياسي القادم، يصبح ترديد اللغة الحنيفية التي صبغت الخطاب السياسي لكل القوى المعارضة والحاكمة جزءاً من الماضي البغيض.. والحكومة مطالبة بتهيئة مناخ التصالح بالعفو عن المحكوم عليهم في قضايا جنائية وإطلاق سراح أي معتقل لأسباب سياسية إن وجد، وإشاعة مناخ حريات جديد بإلغاء القيود الإجرائية التي تفرضها الحكومة على النشاط السياسي ورفع الرقابة عن الصحافة ووسائل الإعلام كافة، بالكف عن مصادرة الصحف بعد طباعتها. ومن جهة المعارضة فإنها مطالبة في ذات الوقت بنبذ خطابها القديم ومفرداته العنيفة، وتشجيع الحكومة على الحوار لا تخويفها برفع شعار تفكيك النظام وإسقاطه من خلال التفاوض. ومثل هذه الشعارات الإلقائية هي التي توصد أبواب الحوار، فإذا كنت تحدثني من أجل الاقتراب مني حتى تنهال علىَّ بسكينك لقطع عنقي فلماذا التفاوض أصلاً.. وإذا كنت تسعى لإسقاطي من خلال الدخول معي في تحالف مؤقت ومن ثم العمل لإسقاطي فلماذا أقترب منك من حيث المبدأ؟؟ وخطاب المعارضة في أيام المواجهة يجب أن يكون من الماضي.
نعم المعارضة تعرضت لضغوط كثيفة من المجتمع الدولي حملتها على التوقيع على خارطة الطريق بدون توضيحات أو ملحق تفسيري، كما طالبت في بادئ الأمر.. ولكنها أي المعارضة لا تزال تطالب بعقد لقاء تشاوري في الخارج ومن بعده تنتقل العملية السياسية برمتها إلى الخرطوم. وانتقال العملية السياسية من الخارج إلى الداخل تقتضيها مصلحة السودان، وليس مصلحة المؤتمر الوطني الذي سيجد نفسه محاصراً بما صنعت يديه.. وتستطيع القوى المعارضة فرض ضغوطها عليه لتقديم تنازلات جديدة. وفي المرحلة الأولى ستطالب المعارضة بالتوافق على شخصية غير “البشير” لرئاسة مؤتمر الحوار الوطني، ولكن هذا المطلب (تكتيكي) ولن يصمد كثيراً. وفي حال تقديم المؤتمر الوطني أي شيء للمعارضة فإنها لن تجد شخصاً متفقاً عليه وقادراً على تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه غير “البشير”، ومصلحة المعارضة الحقيقية أن يتولى “البشير” قيادة الحوار لأن فكرة الحوار نبعت منه بقناعة حقيقية وليس لأغراض الاستهلاك السياسي.. ومن ثم لن تجد المعارضة شخصاً أنسب من “البشير” لقيادة حكومة الوفاق الوطني أو الوحدة أو أي اسم آخر.. وعملياً متبقي للبشير أربع سنوات هي قد تصبح الفترة الانتقالية أو تزيد قليلاً ولكنها بالطبع لن تنتقص.. وحكومة ما بعد الحوار والاتفاق الشامل لها برامجها وسياساتها التي تخاطب القضايا الداخلية والخارجية.
في منتصف الأسبوع الجاري تستأنف المفاوضات حول المنطقتين بعد التوقيع مباشرة على اتفاق خارطة الطريق.. فهل تشهد المفاوضات تقدماً بعد تعثر دام سنوات طويلة.. بيد أن المتغيرات في الساحة الآن تجعل مفاوضات المنطقتين قابلة لتحقيق قدر من النجاح على الأقل وقف إطلاق النار، وثم الدخول في حوار حول القضايا السياسية والإنسانية.. وقد هيأت الظروف الراهنة لمناخ إيجابي قد يغير من المشهد السياسي العام في البلاد.