الصادق الرزيقي

خارطة الطريق وخداع النفس ..!


> بالرغم من أن الحدث الذي جرى في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أمس، هو حدث مهم في تاريخ بلادنا وتطورها السياسي والتفاعلات الإيجابية لوقف الحرب بناء وصناعة سلام حقيقي ، إلا أن ظاهرة التزيُّد والتربُّح السياسي لا تزال تهيمن على تفكير الإخوة في قوى نداء السودان ، فبدلاً من أن يكونوا أكثر حرصا ًعلى توقيع خارطة الطريق وهي وثيقة ذات طبيعة إجرائية طبيعية تمهد للتفاوض وتفتح الطريق أمام المفاوضين من الجانبين للخلوص في قضيتي المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور إلى نهايات وسلام دائم، إلا أن هذه القوى والتحالف الذي ما طل كل هذه الفترة أراد تحويل المناسبة إلى مناسبة ذات طبيعة سياسية دعائية لا تحتملها مواعين الحدث نفسه . > فقيمة الحدث في أهميته الإجرائية والعملية لتعبيد المسار نحو المفاوضات، فعندما وقعت الحكومة على خارطة الطريق لم تكن هناك حشود أو مجموعات من الأتباع أو الحلفاء أو ممثلين لقطاعات مختلفة ، بالأمس حشدت قوى نداء السودان عددا ًمن الشخصيات غير المطلوبة أصلاً في مثل هذه الأجواء الرسمية لإنهاء إجراء طال الانتظار فيه وجمعت فنانين وشعراء وإعلاميين ومتعاطفين مع المعارضة من ناشطين وكوادر حزبية تم تسفيرها من الخرطوم لإعطاء زخما ًلا معنى له لمجرد التوقيع على خارطة الطريق ، وهو تفكير تبرع فيه العقلية الصبيانية الاحتفالية التي توجد على رأس وقيادة بعض التنظيمات المعارضة . > خارطة الطريق وتوقيعها ليس نصرا ًعسكرياً او سياسياً حتى يتم الاحتفال به ، ولم تستطع قوى المعارضة أن تعدل في الخارطة شيئا ًجهوريا ًعليها ولم تلغها لتأتِ بجديد ، فقد عادت الى ما قد رفضته من قبل، فبدلا ًمن الوصول الى الهدف مباشرة أضاعة قوى نداء السودان وقتاً طويلاً ثم جاءت عن طريق (رأس الرجاء الصالح) للتوقيع الخارطة وكان متاحاً لها وليس بينها مسافة تفصلها وقتئذ إذ انجزت إلا خطوات معدودة . > لو كانت قوى نداء السودان تفهم جيدا ًما تفعله ، لما أقدمت على هذا النوع من التحشيد للإيجاء كأنها فعلت ما لم تستطعه الأوائل ، فالعكس تماماً هو ما حدث ، فقد جاءت قوى نداء السودان وبكل مكوناتها وفصائلها الى التوقيع مُرغمة بعد أن تجاوزتها الأحداث في الداخل وتحولت اتجاهات الريح في المحيط الاقليمي وكسبت قضايا وازمات اخرى في العالم الاهتمام الدولي وتراجعت القضية المتعلقة بالوضع في المنطقتين ودارفور الى نهاية سلم الاهتمامات الدولية والإقليمية. > ولولا قدرة الحكومة على إدارة اللعبة السياسية بحس وطني وحرص كبير على إنجاح عملية السلام وتحقيق تطلعات الشعب السوداني في إنهاء الصراعات والحروب ، وتعزيز جهود الآلية الإفريقية رفيعة المستوى والاتحاد الإفريقي والأسرة الدولية من أجل سلام مستدام ، لما وجد قطاع الشمال او حركات دارفور او بعض المحتفلين بالأمس في فندق راديسون بلو ما يمكن الاحتفال به ، فما قدمته الحكومة من تنازلات من أجل الوطن وما أقدمت عليه من تهيئة لمناخ الأجواء وجديتها في لم الصف الوطني وطرح مبادرة الحوار وتحفيز الآخرين للمشاركة فيها وتعاونها الإيجابي وتفهمها لما طرحته الآلية من خارطة طريق ، هو الذي جعل العسير يسيراً ودفع بقيادات قوى نداء السودان أن تطلب على عجل اتباعها ومحسوبيها وكوادرها لملء ردهات الفندق للاحتفال بتوقيع الخارطة وكأنه نصر جاءت به على ظهور الدبابات وقوة السلاح الى قلب الخرطوم . > هذا نوع من خداع النفس فالمعارضة بكل أشكالها وحركاتها لا تملك زمام أي مبادرة سواء أكانت عسكرية في مسرح العمليات او سياسية في مضمار التسابق والتنافس العام مع الحكومة ، لكننا بغض النظر عن هذا التزيد والتزييف السياسي الذي مورس أمس في اديس ابابا نتقبله ونقبله مهما كان بكل هذه العلات والاعتلال ، فأفراح المعارضة السياسية والمسلحة هي في الأصل قليلة هذه الأيام ، ونقبله من أجل أن تستمر المفاوضات ويتحقق السلام ، فخارطة الطريق هي السبيل الوحيد المتوفر اليوم لطي صفحات الماضي والجلوس لحل القضايا الوطنية والالتحاق بالحوار والاسهام في التوصل الى ما يرضي الشعب الصابر الذي لا يريد سوى اليوم الذي تصمت فيه البنادق وتزهر فيه الزنابق . رئيس التحرير