تحقيقات وتقارير

ما في الجبة إلّا (المهدي) (حزب الأمة) يخلع مبارك الفاضل مجدداً


في بلاد تنهكها الحروب، ما تزال صحافة الخرطوم تقتات على ما جرى من وقائع في اجتماع الجمعية العامة للحوار الوطني مطلع الأسبوع الحالي وما استتبع ذلك بالضرورة من توقيع على خارطة الطريق منتصف ذات الأسبوع عساه يفلح في وقف دوي المدافع بعدد من ولايات السودان .

وبجريان فيضان التسوية السياسية الذي تجمعت سحائبه في عاصمة الأحباش نواحي التراب السوداني أسوة بما يفعله النيل الأزرق؛ اهتم الوارقون بحكم تكوينهم السياسي باتفاق أديس أبابا الذي أعاد للأذهان اتفاق السلام الشامل مع الحركة الشعبية في العام 2005م كما اهتموا بتفاصيل صغيرة شهدتها سوح الجمعية العامة للحوار الوطني وتؤسس لمفارقات كبيرة حال تم إغفالها قد تقود إلى مصائر (نيفاشا) المفجعة.

مثلاً؛ عبر الجميع -تقريباً- عن سخطهم من أن يذهب الميكرفون للسيدة تراجي مصطفى كي تتحدث إنابة عن المهاجرين في كلمة هناك شبه إجماع على أنها رديئة. كذلك تساءلوا عن تأثيرات حجب فرصة الحديث عن رئيس حركة الإصلاح الآن د. غازي صلاح الدين العتباني على مجريات عملية الحوار. أم النقطة الأهم والتي نفرد لها كامل التقرير فتمثلت في استلاف السيد مبارك الفاضل للسان وحال حزب الأمة القومي وجلوسه محل أمامه الغائب عن البلاد، لكنه وبقوة حاضر في المشهد السياسي.

جاذبية

نقول إنه يكفي أن يحضر مبارك فتنجذب له الأضواء تماماً كما تفعل في انجذابها نواحي ثقب أسود. يحضر الرجل فتحضر الفصول جميعها، لا فرق إن كان معارضاً أو مهادناً أو بين المنزلتين.

وبهذا الزخم سلب مبارك فلاشات المصورين، وأعين الصحافيين، بجلبابه ناصع البياض، ليس بالحضور وحسب، فهو أمر تم التمهيد له في الأشهر السابقة؛ وإنما لتمثيله الحزب الذي يرتدي أنصاره المرقع (حزب الأمة القومي).

ولذا مخافة أن يفهم سكوتهم على أنه علامة رضا؛ انبرى نائب رئيس الحزب اللواء فضل الله برمة ناصر، ليقول لـ (الصيحة) إنهم خلعوا مبارك، وبالتالي فإن أي أحاديث وتعهدات أطلقها في قاعة الصداقة أمام الرئيس عمر البشير لا تمثلهم كما لا تسرهم غير أنها تسر أعداء الأمة.

واتبع ناصرا الانتصار لقوله بالإشارة إلى دفعهم بمذكرة لدى مجلس شؤون الأحزاب السياسية تطالبهم بإلجام مبارك وإلقامه حجراً حتى يرعوي ولا يعود لفعلته التي فعل أمام جموع المحورين في جمعية الحوار.

مواقف

الموقف الحالي لخارطة العلاقة بين أبناء العمومة الإمام الصادق المهدي والبلدوزر مبارك الفاضل على ضوء خارطة الطريق هي كالتالي : مبارك بصم باكراً على الخارطة التي وافقت عليها الحكومة السودانية من دون تحفظات في شهر مارس المنصرم، أما الإمام فبعد شد وجذب ولقاءات فتطمينات وقع ورفاقه في تحالف نداء السودان على ذات الخارطة أملاً في الوصول بالبلاد إلى بر الأمان.

بيد أن التقاء الإمام والبلدوزر في المواقف لا يعني بالضرورة توافقهما على الآليات، كما أن التزام جانب الحكومة لهو أمر مغاير بالكلية عن مقابلتها من على منصة المعارضين.

وتأسيساً على تلك النقطة الآنفة لا سواها؛ تفاصل الرجلان بعد مهادنة شهيرة تم إبرامها في العام 2011 وعاد بموجبها مبارك إلى حزبه الأصل بالتزامن مع ذكرى فتح الخرطوم وهو ما رآه أنصار كثيرون وقتذاك على أنه نصر وفتح مبين.

لكن وبعد مرور عام فقط، أي في العام 2012م وفي خطاب شهير صادر عن الأمانة العامة وصف الأمة مبارك بأنه عمل غير صالح، وساعٍ إلى تقويض الشرعية في الحزب من خلال العمل لصالح جهات خارجية.

تحليل

للدخول إلى شخصية مبارك الفاضل، لا بد أن نتعلق بحبائل الخارج، فقد أقر الرجل في حوار تلفازي بامتلاكه صلات بأجهزة مخابرات خارجية، وقال إنه لا تثريب عليه واصفاً ذلك بأنه أمر طبيعي للغاية.

وتعكس تلك المقولة براغماتية عالية يتسم بها مبارك وجعلته في تارات حليفاً للحكومة ومرات حبيساً لسجونها، يحدث ذلك بدون فواصل بين حالتي القرب والبعد.

كذلك فإن كل من عمل مع الفاضل يفضله على أغياره في الموضوعات ذات الطبيعة التنفيذية. فبدهائه الواسع وعلاقاته الأوسع استطاع تحريك التجمع الوطني الديمقراطي، وكان هو من حرك العقيد محمد نور سعد في محاولاته الجريئة والفاشلة لغزو الخرطوم في العام 1976م.

أما المهارة الأهم التي يملكها مبارك واستحالت إلى رزق وبركة باديتين عليه، فتجيء من قدرته على تحويل كل ما يمسه لـ (بيزنس) وتجارة.

النقطة الجوهرية

كل تلك الصفات عاليه وإن بدت قوية ويربطها سلك ناظم، فإن المحرك الرئيس فيما يبدو لمبارك هو مساعيه لإظهار نفسه كنِدٍّ للإمام الصادق المهدي.

وكان مبارك انفلت عن مدارات المهدي في العام 2002م مؤثراً تكوين حزبه الخاص ولكن ما انفك من مسارات التطلع لقيادة الأمة وعليه سمى مولوده بحزب الأمة الإصلاح والتجديد.

ومع رفعه شعارات الإصلاح اهتم الفاضل بإصلاح الحزب الأب بشدة، حيث اعتاد على سوق انتقادات مستمرة لزعامة المهدي، مع اتهامه باتهامات، أكثرها شيوعاً هي القول بمحاولات الإمام توريث منصبه لواحد من أبنائه وحتى بناته.

مسار الحوار

المؤكد أن البلدوزر استيأس من العودة إلى الأمة القومي بذات أدواره قبل 2002م فاختار حفر طريقه الخاص مع مواصلة لعبه الضاغط على المهدي متى ما أزفت السانحات وواتت الفرص.

ولكن السؤال الأهم المثار حالياً فمتصل بتأثيرات التحول الكبير في مجرى الأحداث وظهور الإمام الصادق المهدي في كادر الصورة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا بعد فترة سيطر فيها مبارك على أضواء الخرطوم. ولنكُن دقة أكثر نسأل عن كيف تؤثر مواقف مبارك التي كانت مشمولة بمباركة الحكومة على ابن عمه الذي بات يحظى برضا عظيم من حكام الخرطوم؟

سؤال يجيب عليه أستاذ العلوم السياسية د. الرشيد محمد إبراهيم الذي أوضح لـ (الصيحة) وجود تعقيدات كبيرة تعتري علاقة (مبارك – المهدي –الحكومة).

فالحكومة حسب رأيه كانت تلعب على تكتيك وضع الضغوط على المهدي باستخدام كرت مبارك والذي يعتبر أبرز منافسي زعيم حزب الأمة القومي، وذلك لحمل الأخير على توقيع خارطة الطريق.

ولكن هل فوت مبارك بواسع دهائه إمكانية وصول الحكومة الى تسوية مع المهدي؟ يعود د. الرشيد مرة أخرى ليقول إن الفاضل – بلا ذرة شك- قد أمن لنفسه مكاسب منذ اللحظة التي التحق فيها بالحوار الوطني الذي يعد الجند الأول في منضدة البلاد. مكاسب وإن قللت من حظوظ الفاضل الشخصية في منافسة المهدي في كسب الأنصار فمن المستبعد أن تقلل تنافسهما على مستوى المشهد السياسي في عمومياته.

وبمقتضى ذلك جميعه على المهدي الذي وقع مؤخراً مع الحكومة على اتفاق تسوية سياسية؛ أن يتحسب لسياسة ابن عمه المتحفز لاقتناص محله كما فعل في جمعية الحوار الوطني مطلع الأسبوع.

الخرطوم: مقداد خالد
صحيفة الصيحة