الطاهر ساتي

صادرات ..!!


:: قبل أسبوع، إحتفل السادة بالصناعة و الصحة والإستثمار بتصدير ما أسموه بأول شُحنة دوائية إلى يمن، وهي من إنتاج مصنع أزال، وهذا المصنع (إستثمار يمني) .. مبروك، ولكن لست مصاباً بالزهايمر لأسمى الحدث (أول تصدر دوائي) .. قبل هذا الإحتفال، إحتفلوا – في العام 1992- بما أسموه (أول تصدير دوائي)، وشحنوها إلى العراق .. وبعد عقد من التصدير إلى العراق، إحتفلوا أيضاً بما أسموه (أول تصدير دوائي)، وشحنوها إلى إرتريا وتشاد.. !!
:: لم يتواصل التصدير إلى العراق، بل توقف في ذات عام التصدير .. ولم يتواصل التصدير إلى أرتريا وتشاد، بل توقف في ذات عام التصدير .. ويبدو أن ذاكرة السادة (ليست على مايرام) ، ولذلك إحتفلوا بالتصدير إلى اليمن بمظان أنه أول صادر في الصناعة الدوائية الوطنية .. هذا أو أن السادة كانوا بحاجة إحتفال، فاحتفلوا .. قبل الرقص والطرب بمناسبة التصدير إلى اليمن، كان عليهم أن يسألوا – أنفسهم – عن أسباب توقف التصدير إلى العراق وارتريا وتشاد .. وكان عليهم أن يسألوا – أنفسهم طبعا – هل الإنتاج والتصدير في بلادنا سياسة دولة أم محض مبادرات شخصية ..؟؟
:: للأسف سياسة الدولة ضد الإنتاج، وناهيكم بأن تشجع التصدير ..والإحتفال الذي يحدث بين الحين والآخر – تحت مسمى أول شُحنة تصدير دوائية – ما هو إلا محض مبادرات شخصية يجتهد فيها صاحب المصنع .. ثم تموت المبادرة – بإنتهاء مراسم الإحتفال – لعجز سياسة الدولة عن التشجيع والتحفيز .. فالسودان يقع في سياج دول إفريقية تصرف الكثير على الإستيراد الدوائي..و عقول ومصانع السودان قادرة على سد حاجة هذه الدول والدول التي تجاورها .. ولكن إرادة السودان الإقتصادية أوهن من بين العنكبوت، ولذلك نستورد مثل تلك الدول..!!
:: لم تسبقنا دولة عربية غير مصر، ولم تسبقنا دولة إفريقية غير جنوب إفريقيا…. نسبة إنتاج مصر من إستهلاك شعبها (90%)، وكذلك نسبة إنتاج سوريا ما قبل الحرب كانت (94%)، والمغرب (85%)، و..وكل الدول العربية تكاد تكتفي، أو تكتفي و تصدر لدول أنظمتها لاتنهض إلا لتحارب ولا تتقدم إلا (في العُمر).. الأصناف الدوائية المسجلة في بلادنا (4599 صنف)، ولا تصنع مصانعنا منها غير (723 صنف)، وهي تعادل (16%).. والنسبة لا تليق بالسودان..فالعوائق أمام الصناعة كثيرة، وأعظمها هي الإرادة العاجزة عن توفير مناخ الإنتاج والتصدير ..!!
:: قبل الحرب بسوريا، كان عدد مصانع الأدوية ( 70 مصنعاً)، وكانت تنتج (94%) من حاجة شعبها، ثم تصدر فائض الإنتاج إلى ( 54 دولة)، منها السودان الذي يستورد (80%) من حاجته الدوائية..سوريا لم تكن تستورد غير الأصناف التي تحتكرها شركاتها البحثية، وهي تعادل فقط (4%) من كل الأصناف الدوائية التي كانت تصنعها وتصدرها المصانع السورية، وبلغ عدد هذه الأصناف الدوائية (6895 صنفا)..أين هذه المصانع الآن، وأين خبرات خبرائها ورؤوس أموالها ..؟؟
:: تركيا، الأردن، مصر، الإمارات، وغيرها من الدول ذات السياسة الجاذبة للإستثمار هي التي فازت بكل المصانع السورية.. بالتفاوض المباشر مع السطات وأصحاب المصانع .. ثم بتوفير مناخ الإستثمار – لحد تمليك الأرض مجانا – نجحت تركيا ومصر والأردن وغيرها في الخروج – من مصائب سوريا – بالعلماء والخبراء ورؤوس الأموال و المشاريع والصناعات الإستراتيجية.. أما نحن – يا كافي البلا – لم نخرج من مصائب سوريا إلا باللاجئين، ربما لتصدير المزيد من المحن والمواجع ..!!