عبد الباقي الظافر

مالكم كيف تحكمون..!!


في ذاك المساء من شهر مارس ٢٠١٢ ضجت المدينة بحادث مقتل السيدة عوضية عجبنا في حي الديم بالخرطوم.. حالة احتكاك بالشرطة كان يمكن أن تنتهي بسلام لو توفر التدريب الكافي للتعامل مع هذه السيناريوهات.. منذ ذلك التاريخ مضت القضية إلى أروقة القضاء وصدرت فيها أحكام مختلفة ومازال الضابط المتهم نزيل المحبس.. حينما ارتفعت موجة التسييس استل المؤتمر الوطني بطاقة تثبت أن القتيلة إحدى منتسباته.
عادت ذات القضية إلى السطح مجدداً بخبر أن الشرطة توصلت إلى تسوية مالية مع ذوي القتيلة.. التسوية كانت أمراً شاقاً استغرق جولات من الحوار وأرتالاً من الوسطاء.. جهة تسمي نفسها هيئة مناصرة القتيلة عوضية أصدرت البارحة بياناً أكدت رفضهم لتسوية القضية.. الجهة أكدت تنظيم وقفة مناصرة في حي السجانة يوم السبت القادم.. لماذا حي السجانة وليس منزل القتيلة في الديم.. الإجابة ببساطة لأن الهيئة المذكورة تعرض خارج الزفّة.
صحيح أن قضية عوضية عجبنا باتت قضية رأي عام.. ولكن بعد وصولها لأروقة القضاء من المفترض أن تصمت الأقلام وتترك التفاصيل لمؤسسة القضاء السوداني .. الأمر الثاني أن الشهيدة عوضية لديها أسرة ممتدة تشمل أسماء بارزة ومعروفة في الأواسط الاجتماعية.. وفي نهاية المطاف قبول أو رفض التسوية يصبح شأناً أسرياً.. محاولة إضافة ملح السياسة في هذا التوقيت ليس سوى متاجرة بقضية ذات بعد إنساني.. بل أن هنالك من يحاول الاصطياد في الماء العكر وخلق أساطير حول المأساة .. أحدهم أكد أن حكومة الخرطوم ستقوم بتهريب الضابط المتهم وتقوم بإعدام شخص آخر.. هل هناك تخريف وتحريف وتجريف أكثر من هذا.
على نحو ذي صلة احتج بعض الزملاء في بلاط صاحبة الجلالة لقيام السلطات المصرية بتوقيف سودانيين لا يحملون أوراق إقامة شرعية .. ذات الصوت الغاضب احتج على اعتقال دول أفريقية لمعدنيين سودانيين اخترقوا الحدود ووصلوا إلى مضارب النيجر والجزائر فضلاً عن مصر في رحلة البحث عن الذهب.. بالطبع يدرك هؤلاء الزملاء أن سرقة ثروات الشعوب المجاورة تعتبر جريمة ولكن رغم ذلك يطالبون دولتنا للتدخل للإفراج عن هؤلاء الأسرى بل وتعويضهم على معداتهم المصادرة.
في تقديري أن على الصحافة ومنظمات المجتمع المدني أن تدرك حدودها جيداً.. لا أحد يستطيع أن يفرض رأيه على أسرة الشهيدة عوضية عجبنا في هذا الملف الإنساني .. تقديرات الأسرة يجب أن تكون محل احترام الجميع لأن ذلك يندرج تحت مفهوم مراعاة الخصوصية.. تشجيع انتهاك القانون بحجة أن المواطن سوداني في حالة المعدنين فيها قصر نظر.. مثل هذه الممارسة فيها عنصرية مقيتة وافتراض أن ثروات الشعوب الأخرى هي مجرد غنائم حلال لمن يصيبها.
بصراحة.. الصحافة استحقت مكانتها كسلطة رابعة بقدرتها على صنع الرأي العام.. تضليل الرأي العام يقدح في هذه المهنة النبيلة.