منوعات

دكتوراه في الطلاق.. دورات تدريبية في مصر لمساعدة المرأة على تجاوز أعراض الانفصال الزوجي


“الألم” كان القاسم المشترك بينهن.. تلال من الثلج كانت تلفهن مكونة جداراً عازلاً من الصمت، حاولت رضوى جاهدة أن تذيبه، لتتخطى النساء العشر بالكلام أزمتهن النفسية، المتمثلة في “تجربة طلاق”.

الخبيرة النفسية المصرية رضوى أسامة تخصص جزءاً من رسالة الدكتوراه التي تعدّها لجلسات مع المطلقات لمساعدتهن على تجاوز الآلام النفسية الناجمة عن مرورهن بتجربة الطلاق من خلال مجموعة من الدورات التدريبية التي تخضعهن لها.

الرسالة مقدمة لقسم علم النفس بجامعة القاهرة تحت عنوان “برنامج تدريبي لإدارة الضغوط النفسية للسيدات المطلقات”. وتدير الباحثة لقاءات جماعية، تحضرها 10 مطلقات معاً، لمناقشة متاعب ما بعد الطلاق.

المطلقات الـ10 اللاتي يخضن الدورات التدريبية مع رضوى يأتين ضمن 180 ألفاً و344 حالة طلاق سجلها عام 2014، في مؤشر على تزايد نسبتهن في المجتمع المصري، وفق تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فما الأعراض النفسية للطلاق؟ وما أنواع المطلقات؟ وما العلاج؟

سريعة البكاء

نوبات بكاء، اضطراب في النوم، رغبة في الانعزال، قلق، اكتئاب، هي أعراض قلما لا تعانيها من خاضت تلك التجربة الاجتماعية “المؤلمة”، وإن كانت “حكايات الطلاق” قد لا تتشابه في تفاصيلها – بحسب رضوى.

وتضيف: “الحكي عن تجربة الطلاق ليس مهمة سهلة.. بل تجربة مؤلمة”. تحاول رضوى مساعدتهن على تخيطها “عبر برنامج تدريبي يهدف لاكتشاف الذات والتعبير عن المشاعر وتجاوز الكلام السلبي”.

“من بين المجموعة من لا تتمالك دموعها وتدخل في نوبات بكاء”، ويكون تعامل رضوى معها حينذاك مختلفاً عن المعتاد: “لما واحدة تبكي من المهم أنها تواصل البكاء من غير محاولات لإسكاتها. أحياناً محاولات التسكيت تأتي بأثر عكسي.. وتكون رسالة مضمونها أننا غير قادرين على تحمّل بكائها.. ويؤدي ذلك لإحساسها بالذنب.. ولذلك فالقاعدة الأولى أن نترك الناس تبكي بحرية، وبعد أن يفرغن من نوبة البكاء، يسمح لنا بأن نحتضنهن، ونسمعهن كلمات مشجعة”.

الممتنعة عن الكلام

وإلى جانب “سريعة البكاء” تلتقي رضوى عادة بـ”الممتنعات” عن الكلام، أو المقلات في التعبير عن أنفسهن: “حضرت معنا 4 مرات، كانت تنطق بكلمات بسيطة لا تعبر عن مشاعرها.. كنت أحاول تشجيعها، وأسعى لأن أستنطقها في كل مرة.. ولما بدأت تتكلم انهارت تماماً، وكنت أدرك من البداية أن عدم الكلام، ما هو إلا حيلة دفاعية لجأت إليها في مواجهة عدم احتمال الألم”.

رضوى تلخص مهمتها في مساعدة النساء المطلقات على تطوير صورتهن عن أنفسهن، وكيف يمكن لكل منهن اكتشاف ذاتها لتحسّن من صورتها أمام نفسها، لتتمكن من مناقشة أفكار الناس السلبية تجاه المطلقات، ومواجهتها، والتصدي لها، ومن ثم الخروج من تحت تأثيرها”.

المرعوبة من العار

وتحكي رضوى عن المصابات بالاكتئاب والقلق أنه في بعض الحالات “تحتاج المرأة لتدخل طبي، وفي حالات أخرى تحتاج لجلسات علاج نفسي منفصلة”.

ومن بين المطلقات العشر اللاتي يشكلن مجموعة بحث رضوى “6 سيدات يخفين في محيط عملهن أنهن مطلقات.. وده يقول قد إيه الخوف من الوصمة مسيطر بشكل كبير”.

أما عن اكتشاف الذات فتبدأ بالخطوة الأول وهي التعبير عن المشاعر، والخروج من الأبواب المغلقة”.

تتذكر رضوى عدداً منهن كن يرفضن الخروج من المنزل.. “ولو خرجن ينبهن على الأطفال عدم الكلام عن انفصال الأم والأب”.

النصيحة الأولى حب النفس

“املئي وقتك.. وحبي نفسك”، كلمات بسيطة تدخل الى القلب مباشرة، تنفيذها لم يكن سهلاً لتتجاوز صفاء مشاعر وأزمات ما بعد الطلاق، وانتهاء الزواج الذي استمر عامين.

صفاء (34 عاماً) التي اكتفت بذكر اسمها الأول، لم تتمكن قبل الزواج من تقييم الشريك المرتقب في الحياة: “طالما لم تعاشريه تحت سقف بيت واحد فمن الصعب أن تقولي إنك اكتشفتي عيوبه”.

وعانت خلال مرحلة إقامة دعوى الخلع بسبب نفوذ أهل زوجها، فوالده في القوات المسلحة وشقيقه في الشرطة، ما عرض أسرتها لضغوط شديدة: “لكن في النهاية صدر حكم المحكمة بعد 6 أشهر، ليكتب نهاية لمعاناتي مع زوجي، وتبدأ معاناة من نوع آخر”، تحكي صفاء التي تعمل مديرة مبيعات بأحد مصانع الأغذية عن إخفائها خبر طلاقها لمدة عام كامل، “ما اقدرتش أقول.. ما اقدرتش أحكي.. معظم الزملاء من الرجال، ونظرتهم لي ستختلف، وتعاملهم معي يتغير”.

بعد عام كامل بدأت صفاء تتجاوز القيود وتعلن خبر طلاقها: “أحياناً أسمع كلاماً سخيفاً من نوعية معلش راعوا ظروفها، بقيت أشتغل أكتر وأعمل حاجات أكتر لأني ست ومطلقة وعايزة أثبت أني أقوى”.

السنة الأولى هي الأصعب

رضوى سبق ومرت بتجربة مماثلة: “طُلقت وأعرف كيف تشعر المطلقة، وما تمر به، ولهذا اخترت الموضوع وقررت العمل عليه في الرسالة”.

“الوصم المجتمعي تأثيره قوي جداً في معظم الطبقات الدنيا والمتوسطة والعليا، الفارق الوحيد هو الضغوط الاقتصادية”، وفقاً لرضوى التي توضح أن “السنة الأولى للطلاق هي الأصعب لأنها تمر بعدم تصديق لما حدث، ويصحب ذلك نوبة من الاكتئاب والقلق المستمر، وتشعر جينها المطلقة بالوحدة، وتعاني غالباً من اضطراب في النوم، أو مشاكل جسدية مرتبطة بالحالة النفسية، ونوبات بكاء وفقدان شهية أو إقبال على الأكل بشراهة”.

البرنامج التدريبي الذي صممته رضوى تعمل من خلاله مع المطلقات عبر 18 جلسة: “الوجود في مجموعة لها ظروف مشابهة يجعل الحديث أسهل، نعمل على الفضفضة والتعبير عن المشاعر بلا حرج، سعياً إلى الوصول لاكتشاف الذات والخروج من الأبواب المغلقة”.

نصائح الدكتورة رضوى

اطلبي المساعدة من متخصص، املئي وقتك بأنشطة، كوّني أصدقاء، لا تخجلي من الطلاق”، ملخص نصائح رضوى للمطلقات، أما عن الضغوط الاقتصادية فتقول: “في كل المجتمعات تواجه المطلقة عقبات اقتصادية.. الدراسات في أميركا والسويد تؤكد ذلك، وتذهب إلى أن الرجل يشعر بعد الطلاق بانتعاشه اقتصادية وينفق على نفسه أكثر”.

نصائح رضوى طبقتها صفاء بحذافيرها وزيادة: “سافرت وذاكرت واشتغلت أكثر، غيرت ديكور حجرتي وألوانها وبدأت أرد على الناس التي تتعامل معي على أن عندي مشكلة.. أصبحت قادرة على الدفاع عن موقفي، فأنا لم أرتكب جرماً”.

هافغنتون بوست