جعفر عباس

البراءة من القاضي والعقاب من الساحرة


عندما رجع السنيور ألبيرتو من اغترابه في جنوب إفريقيا كعامل بأحد مناجمها الغنية، إلى بلدته في جنوب موزمبيق بعد ثلاث سنوات من الغربة، كان الشوق يحمله إلى أهله وإلى زوجته التي فارقها طيلة هذه السنوات الثلاث. وكان يدخر للقاء زوجته (أخدة بالأحضان) ضخمة وغنية بالتعبير عن الأشواق لكن راعه منها أن كرشها الممدود أفقيا، يفضح حملا لا يقل عن السبعة أشهر.
بعد الجرعة الأولى من المفاجأة غير السارة جلس ألبيرتو على حافة السرير وأقسم لها أنه لن يطالها بشر، ولن يمسها بسوء، على أن تعترف له بمن هو صاحب (العملة) هذه.. قالت له مترددة وهي تحاول الوثوق بكلماته أنه.. صديقه فرناندو!!
بعد أقل من أسبوع طرق الباب رسول المحكمة وسلم السنيور فرناندو استدعاء للمثول أمام محكمة المنطقة لمواجهة تهمة (تحميل) زوجة ألبيرتو. فلعب فأر كبير في عبّ فرناندو، لكن أصحابه هونوا عليه بأن فلانة الساحرة المعروفة تستطيع حل المشكلة، فيطلع منها كالشعرة من العجين (إذا كان الشعر يطلع من العجين بسهولة فلماذا نجد الشعر في الخبز والمعجنات؟)، المهم، جرجر فردناندو أذياله تجاه كوخ الساحرة في الطرف القصي من القرية وهناك حكى للعجوز الشمطاء ورطته، فجلجلت ضحكاتها في أذنيه وهي تهون عليه ثم طلبت منه أن يرخي بنطاله وجاءت بمشط أسود كبير جدا وأخذت تمشط به خصيتي السنيور فرناندو، وما هي لحظات إلا وخرجت الخصيتان في يد الساحرة فأخذتهما ووضعتهما في وعاء زجاجي كبير مثل الذي يوضع فيه المخلل، وفردناندو في دهشة وعلم عظيمين، فخرج وهو يتحسس نفسه لأول مرة بدون خصيتين، كمن كان كثيف الشعر ويخرج من دكان الحلاق وهو يتحسس صلعته الجديدة.
كان يوم المحاكمة يوما مشهودا فقد احتشد أهل المنطقة داخل المحكمة وخارجها، نصفهم جاء ليشمت في ألبيرتو الذي تركهم يمارسون اللعب والعبث واغترب، أما النصف الآخر فقد كان شامتا في فرناندو الذي تعبوا من (عمايله إياها) وحمدوا الله أن أوقعه أخيرا في شر أعماله. أما القاضي فقد حمد الله في سره لسبب مختلف تماما، وهو أن زوجة ألبيرتو لم تذكر اسمه لزوجها.
بعد تلاوة عريضة الاتهام المجلجلة – طلب فرناندو من المحكمة (الموقرة) أن تسمح له برخي سدول بنطلونه ليبرهن للمحكمة (بالدليل المادي) عدم أهليته لأن يكون محل ذلك الاتهام- وقد كان.. ورفع فرناندو بنطلونه إلى مكانه فقط بعد أن سمع مطرقة القاضي تهوي وهو يبرئ ساحته أمام الجمع مما نسب إليه (زورا وبهتانا وإفكا)، فخرج بعدها تاركا الجميع ولم يغلقوا بعد أفواههم من الدهشة.
انطلق يغني ويرقص صوب كوخ فلانة الساحرة ليستعيد وديعته وعند وصوله وجد الكوخ وخارجه ممتلئا بالناس جالسين في مجموعات، مجموعة تأكل وأخرى تغني وثالثة تشرب الشاي. فجال بنظره في الحاضرين ثم سأل بصوت سمعه الجميع عن فلانة، أين هي؟! رفعوا جميعهم رؤوسهم إليه وقالوا بصوت واحد: فلانة؟ أنت ما سمعت؟! توفيت أمس!! وانهار فرناندو فاغرا فمه ومصعوقا لهول المفاجأة. وبعد لحظات طويلة خرج صوته المتحشرج يسأل: ما تركت وصية تخصني؟!
هنا صاح الجمع وكأنهم ينشدون أهزوجة: (أعطوه شاي.. أعطوه شاي!!) وقاده أحدهم من يده وأجلسه مع المجموعة التي تشرب الشاي. فجلس القرفصاء وفمه ما زال مفتوحا وهو يمسك كوب الشاي دون أن يشعر بحرارته. وبينما غيمة الصدمة تنداح شيئا فشيئا اكتشف أن جميع الجالسين يشربون الشاي جاؤوا يسألون عن (ودائعهم) عند الساحرة الراحلة.
(حدث هذا في موزمبيق على ذمة صديقي نبيل الخير الذي يعمل هناك).


تعليق واحد