الصادق الرزيقي

ما بعد الاتفاق


> كل المؤشرات تشير إلى قُرب توصل طرفي مفاوضات أديس أبابا إلى اتفاق ينهي الحرب ويحقق السلام في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) بالإضافة إلى اتفاق آخر بخصوص الوضع في دارفور، وفي حال حدوث ذلك في اليومين القادمين كما تقول المعلومات الواردة من العاصمة الإثيوبية مقر التفاوض ذات البعدين، فإن الواقع السياسي سيتغير بالكامل، غير أن التحولات الأكبر هي التي سيشهدها الوضع الاقتصادي، فتوقف الحرب يعني مباشرة توجيه الأموال الباهظة وكلفة الحرب، إلى معالجة الأدواء الاقتصادية وسد القصور في الخدمات والبدء في تنفيذ واستكمال الكثير من مشروعات التنمية التي توقفت بسبب الحروب التي عاشتها بلادنا لما يزيد عن الثلاثة عقود بعد انفجار تمرد جون قرنق في جنوب السودان عام ١٩٨٣م ، ثم تناسلت حرب الجنوب لتلد حرباً أخرى في جنوب كردفان والنيل الأزرق ثم تلد سفاحاً حرباً مدمرة في دارفور . إذا كان من المبكر الحديث بالتفصيل عن التوقعات، إلا أن الصيرورة الحتمية لتوقف الحرب ستنتج عنها معطيات جديدة وأوضاعاً مختلفة تصوغ راهن السودان ومستقبله إذا ما قدر الفرقاء السياسيين والقيادات التي تتحكم في القرار في الحكومة والمعارضة بكل أطيافها وصنوفها واتجاهاتها هذه اللحظة التاريخية الحاسمة وتواضعوا عبر الحوار الوطني على مشتركات وطنية ودستور ودائم وما يحقق الاستقرار المستدام ويجعل بلادنا تودع العنف والحرب والمواجهات إلى غير رجعة . > من الطبيعي أن يقال في هذا السياق أنه من السابق لأوانه الإسراف في التطلع والتوقع والنظر إلى ريش الأحلام السياسية الملون، فلا تزال هناك عقبات ستعترض حتماً تنفيذ أي اتفاق قادم خاصة إذا كان الاتفاق حمَّال أوجه أو يقبل التأويلات والتفسيرات كما كان اتفاق نيفاشا، يجب أن تُحدد المرجعيات التي يقوم عليها الاتفاق لحسم أية خلافات حول تطبيقاتها. ففي قضية المنطقتين نتوقع أن تسعى الحركة الشعبية قطاع الشمال لسلسلة الخداع والظنون والمكر والرهاب السياسي الذي مارسته أمها الحركة الشعبية خلال الفترة الانتقالية من ٢٠٠٥ حتى ٢٠١١م، قبل أن تحمل رحلها وترحل بجنوبها وتكون أفشل دولة في التاريخ وأسرع دول العالم سقوطاً في وحل الإخفاق والتمزق . > إذا ما تم اتفاق مع قطاع الشمال وحركات دارفور وفصائل نداء السودان الأخرى وهي جزء من الحركة السياسية الحزبية، فعمليا ًستتعامل الحكومة مع عدة جهات تختلف في أهدافها وقضاياها وأطماعها وهواجسها ووساويسها، فهي مكونات ذات أطوار متباينة، إن كانت متفقة وهي في الخارج تعارض الحكومة، فإنها ستكون على الأقل متفرقة كل يسعى لما يريده وينتظره ، فمهمة الحكومة ستكون صعبة إن كانت ستتفق مع كل طرف على تنفيذ ما تبرمه معه من اتفاق ، فالأسهل والأوفق هو أن ينضم الجميع للحوار الوطني دون أية التزامات أو تعهدات أو شروط مسبقة، فعدا وقف إطلاق النار الشامل وكيفية تنفيذه ومعالجة الوضع الإنساني والترتيبات الأمنية في المنطقتين وما يمكن إدراجه في وثيقة الدوحة بالنسبة لحركات دارفور، لا يوجد ما يمكن الجزم به والقطع بجعله أمراً ملزماً . > قوى نداء السودان مكانها الحوار الوطني كل قضاياها تناقش هناك أما المنطقتين ودارفور، فيجب أن يكون وقف الحرب والقتال هو الحافز الأكبر في دفع قضايا التنمية والخدمات وتعويض هذه المناطق ما فاتها خلال سنوات الحرب وردم الفجوة التي خلَّفتها . وهنا تبرز أهمية أن تعبر كل القوى السياسية والاجتماعية ووسائل الإعلام والصحافة عن الأفق الجديد الذي يتيحه الحوار الوطني والاتفاقيات التي ستقود إلى لجم الحرب وإسكات البنادق والمدافع ووقف النَّزْف، فالصدام والمواجهات وحمل السلاح لم يعد الأسلوب الأمثل لمعالجة الخلافات السياسية أو المطالبة بالحقوق. فقد كلفتنا الحروب وحمل السلاح الكثير، فقدنا أرواحاً عزيزة من السودانيين، وتدمرت المرافق والمنشآت الحيوية ، وتعطلت التنمية وتوقفت تماماً في كثير من مناطق السودان، وجاء الوقت لتوحيد الإرادة السودانية وحشدها للوقوف ضد الحروب ونبذ العنف وتغليب الحوار على غيره من الأساليب الأخرى، التي ما زادتنا إلا ضعفاً وخبالاً ..