بين الشفيع خضر والحزب الشيوعي !

قرأت الحوار الذي أجرته الأستاذة شمائل النور لصحيفة (التيار) مع د. الشفيع خضر الذي أثارت مراجعاته الفكرية وآراؤه السياسية ردود فعل عاصفة داخل الحزب الشيوعي أدت مؤخراً إلى فصله وآخرين من (المتمردين) على منهج الحزب.

العجيب أن الشفيع، على غير ما توقع الناس، فُصِل بأغلبية كاسحة من قبل المؤتمر العام للحزب، الأمر الذي كشف عن الطبيعة الاستبدادية الكامنة في جموع الشيوعيين بل وعن الجمود والتكلس الذي يعشعش في عقول القاعدة العريضة التي تمثل السلطة العليا المنوط بها قيادة الحزب وتطويره بدليل أن هؤلاء جميعاً، إلا أقلية ضئيلة، هم من فصلوا الشفيع بالرغم من أنه تبنى نهجاً (تقدمياً) دعا فيه إلى تطوير مرجعيات الحزب وإنقاذه من حالة الموت السريري الذي ظل قابعاً فيه – لا هو حي فيُرجى ولا ميت فيُنعى- حتى يتفاعل مع الواقع السياسي المعقد والمأزوم الذي يكتنف البلاد ويتسق مع المراجعات الفكرية التي تبناها حتى العالم الشيوعي الذي ركل الماركسية بعد أن أدرك أنها هوت به إلى قاع التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

على أن ما أحزنني أن الشفيع الذي سأسرد لكم قرائي الكرام بعضاً من مراجعاته الفكرية والسياسية التي هدته إلى أن يقول في الماركسية أكثر مما قال مالك في الخمر، أبت العزة بالإثم إلا أن تمسك بخناقه وتجعله يحاكي الوليد بن المغيرة الذي وصف القرآن الكريم حالة الانكار العنيد التي تلبسته وأبت إلا أن ترده عن الحق المبين – (إنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ). فارتد عن التخلي عن نظرية اكتشف تخلفها لكنه أصر على التسربل بثوبها البالي بدلاً من أن يركلها ويعود إلى رحاب الحق المبين الذي رضعه من ثدي أمه الرؤوم.

اقرؤوا بربكم الشفيع خضر في بعض مراجعاته حول الماركسية وتأملوا هل الشفيع ماركسي كما يصر أن يسجن نفسه بفعل العزة بالإثم التي تمسك بتلابيبه أم أنه ثائر حر يحمل معوله لتدمير الماركسية؟!

يقول الشفبع: (تشوهات- الماركسية- نتجت من الجمود الفكري الذي وسم قيادات الأحزاب الشيوعية والانغلاق النظري الذي فرضته على العاملين في مجال الثقافة والفكر ونظرة الاستعلاء إزاء الأطروحات النظرية الأخرى وإزاء نتاج الثقافة والفكر من خارج المعسكر الماركسي والادعاء بامتلاك الحقيقة، كل هذا أسهم في خلق أجواء غير صحية أوصدت الأبواب في وجه كل المحاولات الجادة في التصحيح والتجديد كما ساهم في التشويه الخلل البين في ممارسات الأحزاب الشيوعية الحاكمة تجاه قضايا الديمقراطية والحق والقانون والدولة والعدالة والحرية وحقوق الإنسان.. أن التعامل مع الماركسية كعقيدة وطقوس هو الذي أقعد الأحزاب الشيوعية وأوقعها في براثن الجمود والتخلف )إن التطورات التي حفل بها عصرنا الراهن في مختلف مجالات الحياة.. دللت على أن العديد من المقولات والمفاهيم التي تعتمدها الماركسية لم تعد تنسجم مع معطيات وظروف وخصائص العصر الحديث ولم تعد صالحة للتعامل مع هذا الواقع الجديد).

(لقد تم تحديث الحياة وتطويرها في العديد من بلدان العالم بدون الماركسية.. انظر إلى بلدان مثل كوريا الجنوبية وجنوب افريقيا والبرازيل والدول الاسكندنافية).

أقول معلقاً هنا على كلام الشفيع حول كوريا الجنوبية إنه لا يساورني أدنى شك في أنه أراد بقوله هذا أن يعقد المقارنة بين كوريا الجنوبية (الرأسمالية) وكوريا الشمالية الشيوعية التي يعيش شعبها في فقر مدقع وتخلف مريع تحت حكم طاغية ورث الحكم من والده الطاغية (الماركسي) الآخر.. كوريا الجنوبية أصبحت دولة عظمى بينما كوريا الشمالية الشيوعية ترزح تحت أبشع أنظمة القهر والتخلف.

أقول معضداً قول الشفيع خضر إني قد زرت رومانيا الشيوعية في ثمانينيات القرن الماضي قبل إزاحة طاغيتها الماركسي شاوشيسكو بثورة عارمة قتلته وأسرته انتقاماً وغضباً فرأيت عجباً مما يحتاج إلى مقالات بل إلى كتاب أحكي فيه ما فعلته الشيوعية برومانيا.. ذلك بالقطع مما دعا الشفيع إلى مراجعاته الفكرية التي أراد أن يطرحها على ديناصورات حزبه المتكلس.

على أن ما أدهشني أن يفصل رجل مثل الشفيع من حزبه الرجعي لأنه تحدث عن (الملك العريان) الذي يصر من فصلوه على أن يلبسوه من خيالهم وأوهامهم ما لا يرونه بأعينهم.

أقول لدكتور الشفيع خضر الذي استخدم تعبيراً قرآنياً حين قال عن فصله من الحزب الشيوعي السوداني: (لن أشغل بالي بالذي ذهب جفاء وسأركز في الذي تبقى وينفع الناس). إنك فعلت ما ينبغي أن تفعل حين ناصحت هؤلاء العائشين خارج العصر والذين لا يزالون يقدسون نظرية وأدها أهلها وعافوها وتخلوا عنها بعد أن رأوا ما ألحقته بهم وببلادهم من تخلف وإذلال وبؤس وانهيار أخلاقي وطغيان.

أكثر ما حز في نفسي أن الشفيع الذي صال وجال في تلافيف وتضاريس الماركسية ناقداً ومتهكماً ومتأملاً تحدث عن كل شئ بينما أغفل علاقتها الشائهة بالدين الذي لم ينس منظرها الملحد ماركس وهو ينشر خزعبلاته التي كشف الشفيع خضر شيئاً من عوارها إلا أن يقول فيه ما كان سبباً في عزل نظريته الكفرية ومعتنقيها في شتى أرجاء العالم الإسلامي ولا أمل في أي وجود للحزب الشيوعي في سودان المستقبل ما لم يصحح علاقته بالدين الإسلامي.

Exit mobile version