مقالات متنوعة

عبدالرحيم محمد سليمان : مهرجان (كادقلى )…( كلاكيت اخر مرة )


(1)
انتهي مهرجان (كادقلي ) للتجارة والسياحة والتسوق فى ( لمحة من البصر ) ، وانفض سامر الامسيات التراثية والليالى الثقافية علي عجالىّ اسرع من سرعة البرق ، وانقضت ايام الاسبوع ( السبعة) كأنها ( سبعة ) ساعات ، او ان شئت قل (سبعة ) دقائق من فرط جمال وروعة البرامج المقدمة التي كان اعدادها فوق الوصف وكان مستوى تقديمها ينم عن ذوق مرهف واحساس حضارى مسئول ، لقد كان مهرجان ( فلته ) بكل ماتحمل الكلمة من معني .. . نعم انتهى ، وانطوت صفحة الفاعليات ولكن لم تنطوى معها الذكريات العطرة .. وانىّ لها تنطوى ! وتاثيرها ينكى على القلب نكاية لايمكن سرد وقائعها ، بالكيفية الامينة التي تنقل ( المشاهدة ) كما شاهدها القلب بحواسه الخمسة ، وعاش لحظاتها الانيقة بكل الحذافير المحرضة للمشاعر …(المهرجان ) كان اسبوع للزينة ، والغريبة لم يحشر فيه الناس ضحى !! لكن توافدوا طواعية ليستمتعوا بسحره النافذ الذى( لفق ) كل ادعاءات واباطيل الحركة الشعبية …
(2)
على مدار ايام المهرجان لم تجف مآقى مواطنى كادقلى من ( البكاء ) والنشيج المتواصل بسبب ( اسكيتشات ) مبادرة شباب من اجل السلام التى قدمت علي هامش المهرجان عروض مسرحية راقية نالت اعجاب واستحسان الجميع … فاستعارت دموع الرجال قبل دموع النساء … وابكت النساء كما لم يبكينّ من قبل ! لان نصوص الاعمال المسرحية التى قدمتها نصوص واقعية تفند دعاوى الحرب وتبصر الناس بمضارها وتبين لهم مساويها بقوالب فنية مهضومة للغاية …
(3)
ليس بمقدورى ولا بوسعى نقل الصورة كما يجب ان تنقل ، لكن بستطاعتي التأكيد بان المهرجان حقق الكثير من الرسائل التى تخاطب المعنين على مستوى السلطة فى الخرطوم اوعلى مستوى المعارضة فى ( كاودا ) … وهو مايؤكد ماظللت اردده دائما بان السيد الدكتور عيسى ادم ابكر ، قيادى جدير بالاحترام و ( والى ليس كمثله والى ) لانه ( عبقرى ) وصاحب افكار وطنية مخلصة .. لا اريد قصم ظهر الرجل ، لكن الحق يقال … نجاح هذا المهرجان يبعث للخرطوم ولحزب المؤتمر الوطنى ) ولقطاعات الشعب السودانى قاطبة ، برسالة صريحة مفادها ان ارتقاء السودان المنشود ، لايتأتى الا باقصاء الشخصيات المدنية من حكم الولايات وحصر مشاركتها فى منصب وزير ولائى اومعتمد فقط .. اما منصب ( الوالى ) فيكون من نصيب القيادات العسكرية و (الامنية ) على وجه الخصوص ، لان الاخيرة نجحت نجاح منقطع النظير فى ادارة شئون الحكم ، اتحادياً وولائياً ، خاصة فى ولايات الشدة المتأزمة التى تعذر على المدنين ادارتها فاخفقوا فيها واحالوها الى ( خراب فوق رماد ) ونهبوها كأنهم غزاة من دول بعيدة ، فعاثوا فيها الفساد والافساد بالكيفية ( الماسونية ) الرهيبة التى لم تذيدها الا شقاءً فوق بوس …
(4)
المدنين بطبعهم ، و على ضوء ماقدموا من نماذج فى حكم الولايات اثبتوا بما لايدع مجال للشك ،انهم ليسوا محل ثقة ولايمكن الاعتماد عليهم بالمرة فى ادارة حكم الولايات ، لاهتمامهم المتعاظم باختلاق الصراعات الوهمية ، ولهوايتهم المتأصلة فى محاربة ( طواحين الهواء ) ، ولعشقهم المتفرد فى تدبير المكايد السياسية ضد بعضهم البعض ، وبالتالى لايجدون مندوحة من الوقت يتفرغوا من خلالها للادارة والحكم ..
( الحكم ) عندهم مجرد رواية ( افريقية ) تنتهى ( بافقار الولاية وتجويع الشعب ) ، وما الاوضاع الكارثية والانسانية المحرجة التى يمر بها مواطنى بعض الولايات التى ترزح تحت وطأة ادارتهم الا غيض من فيض فشلهم الفاضح فى الادارة والحكم …
(5)
هذا من ناحية اما من الناحية الاخرى فالرسالة البليغة التى بعث بها نجاح المهرجان للمتمردين فى الحركة الشعبية قطاع جبال النوبة ، تضمنت محاور من الاهمية بحيث تفضح رهان المجتمع الدولى الخاسر على جواد الحركة الشعبية كحصان اسود قمين بالفوز فى السباق ، لان النجاح فى مثل هذه السباقات السياسية والامنية يتطلب مثل غيره من المارثونات الحققية مؤاذرة و تشجيع الجماهير التى تلهب اكفها بالتصفيق لضمان فوز المتسابق الذى تراهن عليه .. . لكن مع التبدلات الجوهرية الكبيرة التى احدثها تنظيم المهرجان ، خاصة بعد تسلل افراد من الحركة الشعبية وانصهارهم مع المواطنين بغرض الترويح عن النفس عن طريق المتابعة اللصيقة للفاعليات … انقلبت ( الاية ) كما يقولون ، مئة وعشرون درجة … وخرجت الجماهير من ( استاد ) الحرب وهى على يقين من خسارة الحركة الشعبية لمجريات السباق .. لذلك نرى ونسمع بأن بعض اسر المتمردين منعت ابنائها من العودة للتمرد مرة ثانية ، ومتمردون اخرون فضلوا الهروب من الخدمة بهدوء ( لا ده شاف ، لا ده سمع ) .. ففى السابق كان الهروب من خدمة الحركة الشعبية جريمة عقابها القتل داخل مدن الولاية .. اما الان الوضع.. (غير ).. وقيام المهرجان عضد المسألة الامنية بالصورة العملية التى اجرت الترميم المناسب على الجدار السياسي والاجتماعى والاقتصادى بالولاية مما شجع هولا على الهروب وهم اكثر اطمئنانً بأن ذراع الحركة الشعبية باتت اقصر مما يمكن تصوره فى ظل هذه النجاحات المتلاحقة التى تحسب لصالح حكومة الولاية .