عمر الشريف

بين الفيضانات وجولات المفاوضات


إعتادت الحكومة السودانية منذ توليها الحكم فى عام 1989م أن تتحدث عن الفيضانات كل عام وتطلب المساعدات من الداخل والخارج. تلك المساعدات لم تصل الى كل مستحقيها ويتضرر المواطن كل عام فى موسم الخريف سوى بالامطار او السيول أو بمشاكل الزراعة والرعى التى يواجهها حيث لم تتخذ الحكومة أى إحتياطات او معالجات لتلك الكارثة ولم تستفيد من التجارب والكوارث التى مرت عليها لتترك المواطن يعانى و تتوقف الحركة وترتفع الاسعار وتكثر الأمراض ويندر الدواء وتنعدم المواصلات وتنقطع الطرق بجانب انقطاع الكهرباء والماء المعتاد .
كذلك لم تتوقف جولات المفاوضات الداخلية والخارجية سوى مع الحركات المسلحة او المعارضة التى تسمى نفسها بالسياسية والشعبية ولم يتم التوصل الى نتائج وحلول او إتفاقيات ملزمة وثابتة للجميع ليعم الأمن والأستقرار والتنمية . الحكومة لم تتعظ من تلك التجارب والمساومات التى قدمتها سابقا لبعض قيادات المعارضة . لقد حظى مناوى وعقار والحلو وغيرهم بمناصب ومخصصات كبيرة وكذلك وجد بعض من لا يملك الخبرة والوطنية مناصب مهمه فى الدولة وذلك للإنتمائهم الحزبى ومناصرتهم له بينما وجد وطنيين مخلصين أنفسهم فى الصالح العام أو نقلهم الى مناطق لا تتناسب مع مؤهلاتهم وخبرتهم ووطنيتهم .
إذا كانت للحكومة أهداف وسياسات بتكرار تلك الأحداث كل عام فهى من أذكى الحكومات حيث نجحت فى تكرارها كل عام وإستمرارها فى الصرف و الحكم وإبعاد النخب عن المشاركة والقرار وإلهاء الشعب فى مشاكل الحياة وتوفير إحتياجاته وضرورياته . فى كل خريف نسمع عن غرف الطوارىء والإستعدادات التى تبدأ عند نزول الأمطار وما يصرف عليها يقل بكثير عن ما يصرف من ميزانيتها حيث تذهب الى بعض الجهات والمنظمات بأسم الدعم والطوارىء والإغاثة . كذلك ما يصرف فى المساومات وإرضاء بعض رموز الاحزاب والحركات يقابله صرف لا يقل عنه للإرضاء بعض المعارضين لتلك السياسات .
أصبحت ميزانية الدولة توزع بنسبة 70% لجهات معينة ومؤتمرات ومخصصات والباقى الى الخدمات والمشاريع ورواتب والدليل على ذلك توقف الخدمات وكثرة المؤتمرات والتعينات الحزبية حتى اصبح المواطن يعتمد على نفسه فى كل شىء . المواطن مطلوب منه أن يحفر المجارى التى تصرف المياة وردم الشارع المقابل لمنزله ويتعاون مع سكان الحى بشق القنوات التى تصرف المياة خارج الحى ومطلوب منه أن يستقطع من قوته جزءا للخدمات الصحية والتعليمية والطرق وحفر أبار المياه وشراء مولدات الكهرباء ليقلل على الحكومة تلك الأعباء التى تصرف عليها لخدمة الشعب .
الشعب السودانى لا يحتاج الى غرف طوارىء ولا مفاوضات لكنه يحتاج الى محاربة الفساد والعدالة والمساواة فى الخدمات وخاصه الصحة والتعليم وتوفير مياة الشرب و مقومات الزراعة والإنتاج وصيانة الطرق وتقليل المخصصات والمناصب الحكومية لموظفى الدولة . القوات العسكرية والأمنية قادرة على بسط الأمن والقضاء على التمرد والدفاع عن الوطن إذا لم يتدخل فى شؤونها ووفرت لها إحتياجاتها . السودان لا يحتاج الى إغاثات وهو قادر أن يغيث غيره إذا وجد الوطنية فى حكامه وتم محاربة الفساد وشجع الاستثمار وإتجهت الحكومة للتنمية . نستودعكم الله حتى جولة المفاوضات القادمة والخريف القادم .