تحقيقات وتقارير

مجانية التعليم.. واقع يهزم سياسة الدولة


جلسنً القرفصاء في مؤخرة القاعة الباردة التي أمها قيادات من ولاية الخرطوم، منهم وزير الثقافة والإعلام محمد يوسف الدقير، ووزير التربية والتعليم ولاية الخرطوم، د. فرح مصطفى.. كنً يجلسن وتبدو عليهن آثار أزمة مررن بها وهنً يقتادن أطفالهن، الذين يرتدون الزي المدرسي إلا أنهم حرموا من دخول مدرستهم، بحجة عدم دفع الرسوم المحددة من المدرسة، بقيمة 1500 جنيه، إضافة إلى رسم المساهمة والمحدد بقيمة 750 جنيها.. هذه المدرسة مدرسة حكومية لمرحلة الأساس، ويعني ذلك أن الدراسة فيها مجانية حسب مزاعم وزارات التربية والتعليم، سواء كانت اتحادية أو ولائية، السيدات الثلاث كنً يستمعن إلى حديث وزير التربية ولاية الخرطوم، د. فرح مصطفى الذي استعرض إنجازات وزارته عبر منبر الخرطوم الإعلامي الذي تنظمه وزارة الثقافة والإعلام، وبعد الانتهاء من ذلك الحديث منح الصحفيين الفرصة لطرح اسئلتهم، ولكن كانت البادرة قاصمة ظهر لحكومة الولاية التي لم تترك منبرا ولم تتحدث عن مجانية التعليم، إلا أن بادرة الأسئلة كانت من ثلاث سيدات اللائي أكدن طرد فلذات أكبادهن من المدرسة بسبب عدم تسديد الرسوم، ليسقط في يد الوزير.

محاولة إسكات
ويبدو أن السيدات الثلاث وأبناءهن دخلوا القاعة على غفلة من منظمي المنبر باعتباره منبرا إعلاميا مخصصا للصحفيين، والشاهد أن حرس القاعة هرع إليهن مباشرة بعد إدلائهن بالشكوى وهم باقتيادهن إلى خارج القاعة على مسمع ومرأى الحضور، إلا أن وزير التربية تدارك الموقف وطلب من السيدات الحضور إلى المنصة. وهذه تعتبر بشارة خير لمن لم يسمع رد الوزير على بلاغ السيدات، إذ إن السيدات دفعن بمسألتهن على مسمع من الحضور ودمغن ذلك بمستند رسمي من إدارة المدرسة، يطالب أولياء أمور الطلاب بالحضور إلى المدرسة، بعد أن قامت بطردهم أثناء اليوم الدراسي لتنهار هنا كل تأكيدات وزارة التربية والتعليم التي نفت الأمر من قبل وطالبت المدارس بعدم طرد أي طالب أثناء اليوم الدراسي، فهذا المستند الدامغ يضع الوزارة موضع اتهام، لكن رغم ذلك انبرى وزير التربية للموقف وكأنه يريد أن يثبت خلافا لما ظهر، وما بطن ايضا ذلك أنه طلب من السيدات إبراز الإيصال المالي الذي يثبت أن المدرسة طالبت بتسديد الرسوم، إلا أن السيدات أكدن ثلاثتهن أنهن لم تحرر لهن إيصالات مالية لأنهن لم يدفعن وعندها حررت المدرسة مستندا يطالب بمقابلة أولياء أمور الطلاب لإدارة المدرسة، ويبدو أن الوزير ما زال ماضيا في تأكيده، حين أشار إلى أن الرسم بأي معاملة في السودان يتم بإيصال مالي، وقال أي شخص فرضت عليه رسوم يبرز إيصاله، وشدد على عدم وجود رسوم دراسية مفروضة على الطلاب، إلا أنه عاد ورحب بالسيدات للحضور إلى مكتبه لحل المشكلة، متعهدا باستدعاء مدير المدرسة المعنية والتحقيق معه، معتبرا أن تلك الحادثة معزولة كونها حدثت في مدرسة واحدة ضمن (1414) مدرسة حكومية بالولاية.

واقع مغاير
رغم من تأكيدات الوزير إلا أن واقع الحال يؤكد أن طرد الأطفال بسبب عدم تسديد الرسوم الدراسية أصبح سيناريو يومي يعرفه القاصي والداني، والدليل على ذلك حديث الكاتب المعروف الطاهر ساتي أمس في زاويته أمس والذي والتي تحدث فيها عن مدرسة ود عجيب بنين بالعزوزاب مبينا أنها تعاني من عدم توفير الكهرباء والمياه لعدم سداد قيمة الفاتورة البالغ قدرها (858) جنيها.. وإن مدير المدرسة لا يزال يفاوض المعتمد وسلطات المحلية لسداد هذه الفاتورة لكي لا يفرض رسوما على التلاميذ، وإنه حينما تحدث للإعلام بذلك تم إيقافه بعد ثلاث ساعات فقط من صدور الصحيفة، وإحالته للتحقيق.

وبالرجوع إلى وزارة التربية فإن وزارة التربية الاتحادية ظلت تعلق أمر مجانية التعليم على الولايات على أساس أن البلاد محكومة فدراليا وإن الوزارة الاتحادية يقع عليها أمر وضع السياسات والتخطيط، وفيما عدا ذلك فإن الأمر متروك لوزارات التربية والتعليم بالولايات، رغما من أن دستور السودان للعام 2005 أكد ضرورة مجانية التعليم لمرحلة الأساس، غير أن وزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم، ظلت تتحجج مرارا وتكرارا بأن ما يفرض على طلاب الأساس فقط مساهمات مفروضة من مجالس الآباء أو المجالس التربوية، وليست رسوما دراسية، غير أن معلمين أكدوا لـ(الصيحة) أن عددا كبيرا من المدارس لا توجد بها مجالس آباء وإن الرسوم مفروضة من المدارس وإن وزارة التربية والتعليم على علم تام بما يحدث بالمدارس من فرض الرسوم، وذهب يسن حسن الذي يشغل رئيس لجنة المعلمين والمعلم بإحدى المدارس في تصريحه لـ(الصيحة) إلى أن وزير التربية والتعليم د. فرح مصطفى، زار عددا كبيرا من المدارس النموذجية، مؤكدا أن تلك المدارس يفرض عليها رسوما باهظة وإن الوزير على علم بذلك، وشدد على أن كل المدارس تقوم بفرض رسوم على الطلاب، خاصة طلاب الفصل الأول وتتفاوت قيمتها من (750ــــ 1500) غير أنه يتم التحايل من قبل الوزارة بالتأكيد على أن تلك الرسوم مفروضة من قبل مجالس الآباء، مؤكدا أن عددا كبيرا من الخدمات يتكفل به الطلاب ماديا، وأضاف أن عددا من مدارس الأساس لا يوجد بها حمامات، وتشارك مدارس أخرى في الحمامات مؤكدا مشاركة 17 فصلا في 3 حمامات فقط في بعض المدارس، والأدهى والأمر أن عددا من أولياء الأمور استطلعتهم الصحيفة، ذهبوا إلى أن الطلاب يشاركون في تشييد عدد من الفصول المنهارة والحمامات التي لا تتكفل الوزارة بتشييدها غير دفع رسوم المياه والكهرباء بالمدارس وتوفير التباشير وغيره الكثير.

تسرب الطلاب
وكان منتدى سابقا نظمته جمعية حماية المستهلك، حول الرسوم الدراسية، كشف عن أن نسبة 50% من طلاب المدارس يتسربون من المدارس بسبب الرسوم الدراسية، بسبب المعاناة التي يجدونها من المدارس، وتوقيع عقوبة الضرب على الذين لا يسددون الرسوم المفروضة، وأكدت الجمعية وصول عدد الشكاوى من الولايات ناجمة عن عدم تحقيق مجانية التعليم منها أن الطلاب يمشوا على أرجلهم مسافة 10 ــــ 15 كيلو مترا لأقرب مدرسة بالمنطقة، وأكد عضو الجمعية، محمد أحمد إبراهيم، في ذات المنتدى أن وزارة التربية والتعليم تقف مكتوفة الأيدي حيال المشكلة، مشيرا إلى أن نسبة الصرف على التعليم بولاية الخرطوم، لا تتجاوز 1% بقليل وإن نسبة 97.4% من ميزانية التعليم يتكفل بها مجلس الآباء، مشددا على أن اقل نسبة صرف على التعليم بدول أفريقيا تبلغ 6% عدا دولتين منهما الصومال، وقال إن القانون لم يستطع أن يلزم الدولة بمجانية التعليم المعلنة من قبل الرئيس.

الخرطوم: ابتسام حسن
صحيفة الصيحة