ضياء الدين بلال

حكم البوني!


-1-
في زيارتي قبل شهر لولاية الجزيرة، فوجئت بحالة رخاء نسبي في أوساط المزارعين وتجار المدن نسبة لنجاح الموسم الزراعي السابق، خاصةً محصول القمح.
ومن الأسباب التي تُذكَر في سياق تفسير وتحليل تراجع العمليات العسكرية في مناطق النزاع، أن أغلب مجندي الحركات وضعوا أسلحتهم وتوجهوا لمناطق تنقيب الذهب.
-2-
في كل مرة أستمع أو أقرأ لبروفيسور عبد اللطيف البوني أجده يُبدع في توصيف الأزمات التي نراها معقدة وعصية على الحل .
يفعل البوني ذلك بلغة بسيطة وسهلة الهضم، ويقترح من الحلول الجديد المبتكر خارج نصوص محفوظات النادي السياسي.
-3-
يوجد تشابه ممل للخطابات السياسية، حاكمة ومعارضة، على طول تاريخ السودان المعاصر.
كنتُ كثيراً ما أذهب إلى دار الوثائق لإعداد أفلام وثائقية، كنتُ ألحظ تشابه العناوين والمينشتات حتى إذا قمت بتغطية تواريخ صدور الصحف لا تكاد تُميِّز بين الحقب السياسية .
محفوظات تُرَدَّد في كلّ الحقب .
الحاكمون يتحدثون عن الإنجازات القادمة والإعجازات القائمة، وعن التآمر وقوى البغي والعدوان المتربصة بخيرات السودان.
والمعارضون يتّهمون الحُكَّام بالفساد والمحسوبية وأكل أموال الشعب.
وظلَّ موضوع الشريعة والدستور الإسلامي والهوية الحاضر الدائم في كل سجالات السياسة.
-4-
يَندُر أن تَجِدَ سياسياً بارعاً في التعامل بلغة الأرقام أو أن تجد سياسياً صاحب رؤية متجاوزة لمحفوظات النادي السياسي!
جميعهم يقرأون من ذات الكتاب القديم المهترئ الأوراق والبالي المضمون، ويردِّدون ذات الأسطوانات المشروخة!
السياسة في بلادنا ظلَّت قائمة على (طقّ الحنك) وحرباوية المواقف ومهارات التبرير وبذل الوعود الكذوب وبيع السراب في حواري الظمآنين.
سياسة تجارة الأوهام ومغازلة الأحلام والكيد والمكر والانقسامات والتبضع في آلام الناس وأوجاعهم .
نحن في حاجة لسياسيين حاكمين ومعارضين أصحاب أفكار كبيرة ومبادرات نيِّرة ومضيئة.
سياسيون لا يُخرِجُون من شَرْبَات الإمكانيات والموارد فسيخَ الأقوال والأفعال!
-5-
اطّلعت على إفادات لبروفيسور البوني في واحدة من قروبات الواتساب التي تجمع سياسيين ومفكرين وإعلاميين كبار.
البوني قال إن سياسات زراعية قائمة على علاقات إنتاج متوازنة كفيلة جداً بتحقيق توازنات في كافة الصُعد السياسية والاجتماعية.. وإن التطور الزراعي في السودان سيكون مدخلاً لحل كافة القضايا؛ فتَكَدُّس السكان في العاصمة صَعَّب الأمر وعَقَّد الأزمات.
ومع ذلك يمكن أن تكون الزراعة آيديولوجيا للحكومة والمجتمع.
نعم، صراع السلطة والثروة والآيديولوجيا استنزف كل الطاقات والموارد في السودان.
وأشار البوني لملاحظة مهمة، وهي أن حزام السافنا الغنية هو أغنى مناطق السودان من حيث الموارد ويمكن أن يكون أهله أغنى أهل السودان، ولكن هذا الإقليم ظلَّ مشتعلاً طوال فترة الحكم الوطني في كافة الأنظمة، وتساءل البوني (هل هذه مجرد صدفة)؟!
البوني يدعو لسياسات زراعية مدروسة وموجهة، ويرى أنها أهم من التعليم؛ باعتبار أن تغيير البنية الفوقية قبل التحتية هو سبب كل البلاوي والأزمات في السودان.
ويقول بجرأة عُرف بها، إن شقَّ الترعة يجب أن يُقَدَّم على تشييد المدرسة!
فالترعة التي تروي الأراضي الزراعية، يمكن أن يتَرَتب من عائدها ما يمكن أن يُسهم في بناء المدرسة والمستشفيات.
والمدارس بلا تنمية تُخرِّج أجيالاً مطلبية تنتظر الحكومة لتنجز وتحقق لها أحلامها.
-أخيراً –
ربما ما أدلى به البوني في حاجة لعصف ذهني أكبر وخارطة طريق تنموية، لا علاقة لها بمفاوضات أديس ووساطة ثامبو إمبيكي!