عبد الباقي الظافر

قصر رئاسي جديد..!!


البارحة خلع جون كيري بنطال (الجينز) الأزرق وأرتدى على عجل البزة الدبلوماسية..وزير الخارجية الأمريكي أمضى إجازة غير قصيرة في دولة كينيا..مع نهاية العطلة السعيدة انخرط كيري في اجتماعات مع رصفائه من ثمان دول إفريقية لمناقشة الأوضاع المتأزمة في جنوب السودان.. قبيل أسابيع التقى الرئيس البشير خادم الحرمين الشريفين في طنجة المغربية..المليك وصل إلى هنالك في إجازة خاصة برفقة عدد من أفراد أسرته .
نهاية الاسبوع الماضي سافرت في رحلة طويلة إلى أعماق كردفان ..منذ أن خرجت من سوبا كانت الخضرة والماء والوجه الحسن على امتداد البصر..صورة العجول الممتلئة الأرداف والضأن الحمري في ألوان تسر الناظرين، كانت تمنحني احساساً بأنني في بلد آخر غير الذي تزكم رائحة عاصمته الأنوف ..حتى الانسان في تلك المساحات الخضراء يبدو ودوداً بسبب رحمة البيئة.. ذات المشهد رأيته في زيارة مماثلة قبيل أسبوع إلى مضارب أعالي النيل الأزرق..بعض مناظر الدندر الطبيعية تصلح لتكون استديوهات طبيعية يحج إليها أهل الفن من كل فج بعيد.
لكن العودة للخرطوم تجعلك تسأل الله ألا ينزل الغيث..في سوق بحري تجد النسوة يفرشن الخضار على حافة مصرف الماء النتن..في وسط الخرطوم تختلط مياه الصرف الصحي مع ما جادت به السماء..في جنوب الخرطوم باتت هنالك مناطق معزولة…المطار عند المطر يتحول إلى بحيرة عائمة…أما الأوساخ فتلك قصة أخرى.
هذه هي عاصمتنا..بعض كبار الزوار من الأشقاء باتوا يختصرون زيارتهم للخرطوم لبضع ساعات..ينزلون الخرطوم في الصباح ويغادرونها قبيل الغروب.. سفير دولة شقيقة تم التمديد له بالخرطوم فهمس في أذن أحد اصدقائه السودانيين إن هذه عقوبة قاسية جداً.. هذا السفير حقق اختراقات مهمة جداً في علاقة السودان ببلاده، وله شعبية وسط السودانيين، لكن تلك هى الحقيقة ..الخرطوم بشكلها الحالي مدينة لا تحتمل.
حينما همت الحكومة ببناء قصر جديد تمنيت أن يكون عنوان البلد الجديد في مقرن النيلين ..هذه البقعة تشد أنظار كل زوار الخرطوم..للنيل سحر خاص لهذا يهتم الزوار بالمكان الذي يلتقي فيه الأزرق بالأبيض ..مضت المنحة الصينية إلى المكان غير المناسب..لكن دعونا الآن نفكر بشكل مختلف..السودان ليس هذه الأرض الجدباء، ولا هذه الغابات الأسمنتية الممتدة..السودان أكبر من هذا ولكننا لم نكتشفه حينما جعلنا حدوده في ولاية الخرطوم.
في تقديري..علينا جميعا أن نبحث عن عنوان جديد لبلدنا.. قصر رئاسي في المنطقة الفاصلة بين الخرطوم والجزيرة..مساحة خضراء على النيل الأزرق نسميه قصر سوبا..بحجر واحد نصطاد أكثر من عصفور..ننقل بشكل سلس جزء من الحكومة إلى ولاية الجزيرة ونجزل للتاريخ التحية ..مبني من طابقين محاط بغابات خضراء ..القصر ملحق به بيت ضيافة لكبار ضيوف البلد..بعد ذلك تنتقل الوزارات السيادية تدريجياً إلى حيث الامتداد الأخضر ..رئاسة وزارة الزراعة تكون بود مدني ..مصلحة الغابات في الجبلين..وزارة التربية في بخت الرضا.
بصراحة..صحيح نحن نعيش في شظف من العيش بحيت تعد هذه المقترحات بعضاً من الترف ..لكن الشعوب يجب أن تخطط لحياتها كأنها تعيش أبداً..اخشى أن يأتي علينا يوم يكتفي فيه زوار السودان بالالتقاء بقادتنا في عواصم مجاورة ..الآن هنالك بلاد تكتفي بممارسة التمثيل الدبلوماسي معنا من على بعد.