زهير السراج

تكويش الخرطوم !!


* لم أتوقع بالطبع أن يقدِّم (الفريق أول مهندس طيار عبدالرحيم محمد حسين) والى ولاية الخرطوم إستقالته بعد إعلان فشل حكومة الولاية في جمع النفايات، رغم أن إعلاناً كهذا في أي مكان آخر في العالم، لا بد أن يكون مصحوباً بتقديم المسؤولين لاستقالاتهم إن لم يكن خضوعهم للمحاسبة، فإن تفشل حكومة محلية لمنطقة نائية دعك من عاصمة البلاد، في أهم وظائفها وهي النظافة وحماية أرواح الناس من الأوبئة والأمراض والمحافظة على البيئة والمظهر العام، أمر يستدعي إتخاذ أقسى أنواع الإجراءات بما فيها الفصل والتقديم للمحاكمة، خاصة مع إعلان سابق للوالي بفشل الشركات المحلية في جمع النفايات واهتمامها بجمع النقود فقط بدون ان يتخذ ضدها الاجراءات الحسابية المطلوبة، وهو أمر لا بد ان يُسأل منه ويُحاسب عليه !!
* وأتَبع الوالي ذلك الاعلان، باعلان التعاقد مع شركة تركية لجمع ومعالجة النفايات في محلية الخرطوم، كتجربة ، ثم تعميمها في كل أنحاء الولاية إذا أثبتت نجاحها، بدون أن يعرف أحد التفاصيل ومدة العقد وتكلفته ..إلخ، كعادة الحكومة التي تعجن وتخبز وتبيع وتربح وتدَّعي الفقر بدون أن يعرف أحد شيئاً، حتى الجهات التشريعية الرقابية، التي لا تناقش ولا تحاسب ولا يوجد في قاموسها سوى كلمة (نعم)، ولا تفعل شيئاً غير النوم وقبض الثمن أول كل شهر، والتمتع بمزايا الحج المجاني وعربات التقسيط المريح كلما حانت الفرصة!!
* والآن تفاجئنا حكومة الولاية، بدون أن تطلعنا على أخبار المشروع التركي، بإلغاء النظام المتبع حالياً في جمع النفايات بواسطة العربات التي تجوب الأحياء والاسواق، وتمتنع عن ذكر الاسباب غير ما أُعلن بعد اجتماع كبير ضم الوالي والوزراء والمعتمدين والخبراء، عن صعوبة تنفيذ النظام الحالي، والعودة الى النظام القديم بوضع اوعية (كوَّش) في الاحياء ومناطق التجمعات والذي أثبت فشلاً ذريعاً في السابق (تراكم الأوساخ)، بالاضافة الى عيوبه ومخاطره الكثيرة في نشر الاوبئة والأمراض والحشرات، وهو ما استدعى استبداله بالنظام الحالي!!
* جاء ذلك في خبر مقتصب نشرته صحيفتنا أمس بقلم الزميلة (عازة أبو عوف)، مع التوجيه بسرعة صناعة الأوعية الحديدية .. ونتساءل على أي أساس إتخذت الولاية هذا القرار، وكم سيكّلف التحول الى النظام القديم، ومن لديه القدرة على صنع الاوعية بالمواصفات المطلوبة التي تجعلها قابلة للنقل والتفريغ بما يتناسب مع وسائل نقل النفايات المتوفرة حالياً، أم أنها ستكون مجرد أوعية لتجميع النفايات ثم تركها فى العراء الى أن تمتلئ وتتدفق وتتحول الولاية إلى كوشة كبيرة ومرتعاً للحيوانات الضآلة؟!
* ونتساءل أيضاً .. متى ستكون الأوعية جاهزة، ومن سيكون المحظوظ بالحصول على إمتياز صناعتها، وماذا سيحدث خلال الفترة الانتقالية بين عودة العاصمة الى نظام الكوَّش وإلغاء النظام الحالي ، أم ستتركون النفايات وتنشغلون بالقضايا الوطنية الكبرى، كما قال لي أحد المسؤولين ساخراً عندما تساءلت عن غياب عربات النفايات من شوارع الخرطوم في الايام التي تلت القصف الامريكي لمصنع الشفاء : ( يا أخي الناس مشغولة بالقضايا القومية الكبرى، وأنت ما لاقي حاجة تتكلم فيها غير النفايات ؟)!!


‫2 تعليقات

  1. السؤال المهم … زمان كان في ميادين واسعة في كل حارة ممكن تعمل فيها كوشة لكن هسع الكوشة زاتها حيختوها وين؟؟؟ أكيد لصق البيوت … الله يعين المواطنين المساكين في السودان

  2. والله يا أستاذ / زهير .. قلمك من أشجع وأرقى وأنضج الأقلام التي نقرأ لها ..
    ومن يقرأ لك موضوع لا يود أن يزيده ولا ينقصه ولا كلمة ..
    لك كل التقدير
    وقد أسمعت لو ناديت حياً
    ولكن لا حياة لمن تنــــادي