عثمان ميرغني

لا خير فينا إن لم نقلها!!


الوضع الاقتصادي تعدى تماماً فضاء المعقول.. لم يعد مشكلة (أكاديمية) تتطلب رأي الخبراء والمختصين.. أصغر سوداني يمشي على رجليه قادر على تقديم إقرار كامل أن العلة الاقتصادية هي مجرد أعراض الحالة السياسية..
ولا أعني بالحالة السياسية لعبة القط والفأر في الحوار أو المفاوضات.. فتلك (يوميات) الأزمة وليس مضمونها.. أقصد بالحالة السياسية تيبس العصب السياسي لكل البلاد ودخولها مرحلة الغيبوبة الكاملة.. أن لا نحس بالألم ولا المشكلة ولا الأنين ولا الخطر..
ولو كانت المعارضة تظن أن مثل هذه الحالة تنفخ في أشرعتها لأنها تقرب من حتف الحكومة فإنها تخطئ التقدير.. فمثل هذه الحالة تؤدي بالبلاد كلها ولن يبقى ما نختلف ونتشاكس عليه..
والذي يشق القلب من الأسى؛ أن الحل سهل لكنه ممتنع لوجود المانع الرئيسي في عقل الحكومة وحزبها الحاكم “الوطني”.. من فرط السوء أنهما ما عادا قادرين على سماع ليس النصيحة بل حتى الصراخ.. ولو توفر (خاتم المنى) لأحد لينقذ البلاد مما هي عليه لكان أو (الممانعون) لاستخدامه هي الحكومة وحزبها الوطني.. غرور الاحتكار والاستكبار دخل مرحلة غاية في الخطورة لم يعد فيها الإصلاح وصفة كافية للتعافي.. من فرط استهلاك كلمة “الإصلاح” أصبح الإصلاح نفسه هو الداء..
لا ينقص بلادي العقل والرشد والعاقلين الراشدين، لكن العقل والرشد لم يعد هو الحل في الوقت الراهن.. فعندما يغرق المريض في (الأوهام) يتحول إلى حالة “استوهام” (وهي كلمة من عندي تعني مطالبة الآخر بالغرق في الأوهام) فتصبح الخطوة الأولى في التعافي هي معالجة نفسية صادمة توفر المدخل لاستعادة حالة (الاوهام) قبل العقل والرشد..
بلادنا في حاجة لصدمة (نفسية).. أشبه بتلك الصدمة الكهربائية التي تستخدم لإخراج مرضى العلل النفسية من حالة (الاستيهام) وإعادتهم إلى محطة (الأوهام) أولاً قبل استعادة العقل والرشد أخيراً..
(الصدمة النفسية) سهلة ومضمونة العواقب لأنها لا تتلف أعضاء الجسم وتتعامل فقط مع برمجيات الروح أي (Software) .. أشبه بالضغط على زر إعادة التشغيل Reset عندما يتجمد الكمبيوتر ولا يستجيب..
إذا لم تتوفر (الصدمة النفسية) المنقذة للبلاد في هذا الظرف العصيب فإن مزيداً من تدهور حالة المريض ستدخله مرحلة من العسير توقع تداعياتها..
مرحلة (مهب الريح)..!!