منوعات

قصة أغنية ( حبّيت عشانك كسلا )


هذه القصة تربط بين مدينتين يربط بينهما حرفا الكاف و السين ، و هما كوستي و كسلا كما تربط بين مبدعين شاعر و فنان ، و هما الشاعر المرهف اسحق الحلنقي و المغني الطروب التاج مكي .
مدينة كوستي تعتبر من المدن العريقة و هي تقع علي الضفة الغربية للنيل الأبيض ، وهي مركز تجاري عريق جمعت بين أهل الحضارة و أهل البداوة منذ قديم الزمان ، سارت منها باخرة ود الرضي حتي رست بالرجاف إلى الجنوب ، حاملة معها جميع الخيرات ، ولكن الجنوب كان يرد علي الحسنة بالسيئة ، و ما تمرد توريت الذي حدث في العام 1955 ببعيد ، كما سارت منها القطارات إلى الغرب حاملة الخير الكثير لأهل تلك المناطق عابرة كبري الحديد ليتوقف في نيالا التي كان يأتي منها العسل المصفّى من ( كبو ) و السمن النقي من (قوز أبوعجورة )، وذلك قبل أن يتمرد أبناؤها و يجففوا الضرع و يحرقوا الزرع ، و أما مدينة كسلا فهي غارقة في الحضارة و هي تقع علي الضفة الشرقية لنهر القاش الدفاق ، بينما تقع في غربها السكة حديد التي يمر بها القطار جيئةً و ذهابا من بورتسودانإلى الخرطوم ، و يسكنها لفيف من المواطنين من أجناس و أعراق مختلفة ، و كانت جبهة الصد في الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945 ، حينما زاد رجالها و حاربوا ضد الطليان و ألحقوا بهم هزائم كبيرة .

كسلا برجالها المحامي حسن الماحي و الأديب هاشم خليل و الناظر محمد عثمان دقلل ، و محمد جبارة العوض قائد قطار النصر في أكتوبر و الخليفة حسن الجاك و تجارها الجاك قسم السيد و خضر أبو سيف و محمد العطا و عبدالله الخليفة و الطيب الجزولي و أولاد الوقيع ( هاشم و محجوب و ابن عمهما محجوب الحسين ) و حسن الجاك النصري و أولاد الجدري ( سعيد و علي اليمانية ) و الحاج عبدالماجد كمير و الحاج علي أزرق و نقطة الوقف منو الهندي ، و بشعرائها و أدبائها الشاعر محمد عثمان كجراي و الدكتور محمد عثمان جريتلي الطبيب و الأديب و العازف و المغني وعبدالوهاب هلاوي و عزمي أحمد خليل و عبدالقادر ود حجر ، مدير مكتب العمل و من قدماء المحاربين فيها الصاغ و الشاعر محمود أبو بكر صاحب قصيدة ( صه يا كنار) و قصيدة ( قالوا القطر تقدم و كفرة نيرانَا زي جهنم ) و البجاوي الهدندوي الذي كان يرعي الغنم في (هيا ) ، و جاء ليرعي غنم أبليس في الخرطوم الشاعر أبو آمنة حامد الذي سال مداد قلمه ليكتب ( سال من شعرها الذهب ) و الذي قال ندمت علي عامين قضيتها بكلية الشرطة لأتحول إلى عسكري، و أخيرا همزة الوصل الشاعر إسحق الحلنقي .

كسلا بجمالها و جبالها و نهرها الدفاق تحفها الجنائن و البساتين لتزيدها جمالا علي جمالها و أهلها طيبون يتكلمون بكلام كله نظيف كأنهم يغسلونه بالماء قبل الحديث به ، و في هذه الأرض المفعمة بالجمال جاءت الحسان الغيد من كسلا و كُنّ يسبين كل عاشق و مولّه ، و صادف أن جاء فناننا التاج مكي مع والده منقولا من كوستي إلى كسلا ، ووقع في شراك إحداهن و بعد فترة ساءت العلاقة بينهما و تقطعت أواصر المحبة و تم الهجر ، و صار التاج كالمحلق الذي أحب تاجوج حبا من طرف واحد ، فبدأ يبحث عن سلاح يردّ به علي هذا الجفاء المفتعل فوقع اختياره علي اسحق بن ابراهيم بن عثمان الحلنقي صديقه و نديم أيامه العذبة و طلب منه أن يكتب له قصيدة يعبر فيها عما حدث له و كانت قصيدة ( حبّيت عشانك كسلا ) التي تعبر مفرداتها عمّا حدث للفنان بلسان ذلك الشاعر المرهف و التي تقول :

ظلم الزمان الخانّي يا ريتو لو كان خـــــــــانك
ليه جرت واتنكرتَ ليه للسّاب ديارو عشانك ؟
قدّر عشانك كسلا
حبّيت عشانك كسلا وخليت دياري عشــانها 
واخترت أرض التاكا الشـــــــــاربة من ريحانها 
***
كلمني قولّيا فاكر ليالي القــــــــــــــــــاش؟
لمن الحنين عاودنـــــــــي بي عطفك الجــــياش
جافيت حبيب ما خانك من نور بسيمتك عاش
انا تاني ما بتلقاني يوم في طريقك مــاش 
قاصد مكان في كسلا
حبيت عشانك كسلا وخليت دياري عشانها 
واخترت ارض التاكا الشـــــــــاربة من ريحانها 
***
صوت السواقي الحاني ذكرني ماضي بعيد
وعلى الرمــــــــــال آثارك طرّتني ليلة عــيد
ألمني قلبك ينسى ترخص غــــــــــلاوة الريد
باقي الطريق بمشــــيهو خليني فيهو وحيد 
والحب عذاب في كسلا
حبيت عشانك كسلا وخليت دياري عشانها 
واخترت ارض التاكا الشـــــــــاربه من ريحانها
*** 
فرحــــــــــــة ليالي الريد ونداوة البسمات
خلتني أبكى و اندم علي عمرِ عدى و فات
حبّيت عشانك كسلا وخليت دياري عشانها 
واخترت ارض التاكا الشـــــــــاربه من ريحانها

و هكذا عاش شاعرنا المرهف و فناننا الطروب مع هذه الأغنية الجميلة و المعبرة و التي تعرضنا لها .. تحكي قصة مؤثرة و تروي بكلمات معبرة و تغني بلحن شجي ، مع تمنياتنا للشاعر إسحق الحلنقي و الفنان المبدع التاج مكي بدوام الصحة و العافية و مزيدا من الإنتاج و العطاء .

صحيفة التيار