عبد الباقي الظافر

في قفص الاتهام ..!!


جئت متخفياً ولكن في الموعد تماماً.. لم أكن مهتماً بنيل البراءة أو الإدانة .. تركيزي انصب على خروجي بسرعة من المحكمة.. ماذا سيقول المصلون إن عرفوا أنني مجرد لص.. سأفقد وظيفتي كمؤذن..المشكلة الكبرى سيضيع البيت الذي يأويني وأسرتي.. بيت المسجد جعلني شخصاً محترماً في المنشية..ادعي أنني أعرف عدداً من الوزراء وبعض كبار القوم .. ذات يوم كنت إماماً في صلاة الظهر ووجدت خلفي وزير الحقوق العامة.. سألت الله ان يتقبل صلاتي..أنا الآن احتاج إلى الرجل الذي كنت احتقره.. كل الناس تقول إنه لص إلا الحكومة.. أنا الآن لص مثله تماماً.. بل أسوأ أنا سرقت خروف وذاك الرجل سرق دولة.
قطع تفكيري صوت حاجب المحكمة حينما نادى اسمي رباعياً محمد إسماعيل الصافي حماد..ازداد اضطرابي وأنا أقابل مولانا القاضي لأول مرة..هممت أن أصافحه..رمقني بنظرة جعلت يدي ترتد إلى وراء ظهري.. كنت أرجف مثل مصاب بالملاريا.. بعد كلمات قليلة سألني القاضي بصوتٍ عالٍ»أنت سرقت خروف السيد الوزير».. رددت بانكسار نعم سعادتك»..طلب مني القاضي أن أحكي الواقعة ..حاولت الإيجاز موضحاً أن الشيطان أغراني..طرق مولانا على منضدته وبات يتحدث بلسانٍ هادٍ ..كأنما يحاول أن يتأكد ويوازن بين خلفيتي الدينية وفعلتي الدنيئة.. شعرت أن مولانا بات متعاطفاً معي وكأنه غير مصدق.
بعد دقائق من الصمت أخرج القاضي مفكرة سوداء ووضع نظارته الطبية على عينيه..أخبرني بأنه بصدد تأجيل القضية لمدة أسبوع..استحلفته بالله ألا يفعل..أنا مقر بجريمتي واستحق العقاب..فقط أطلب الستر بإرسالي إلى سجن الهدى بأسرع وقت..احتار مولانا من متهم يتعجل العقاب وبدأ يحرك القلم بين أسنانه كناية عن الحيرة..بعد ذلك بقليل طلب بصوت جهور أن يتطوع أحد المحامين للدفاع عن متهم عاجز من التعبير عن قضيته ..ما إن أنهى مولانا كلامه حتى وقفت بجانبي محامية شابة..يبدو أنها كانت تتابع السجال بيني والقاضي لذلك طلبت رفع الجلسة ومنحها فرصة ساعتين للمثول مجدداً.
يابنتي أنا لست لصاً..نحنا ناس أولاد قبائل.. ظروف الحرب جعلتنا نترك باديتنا ونطرق أبواب مدينتكم.. في ليلة العيد لم أنم..فشلت في تدبير خروف لأبنائي الصغار كما عودتهم كل عام.. كان سؤالهم الدائم عن الخروف يقابله حاضراً ردي بكرة إن شاء الله ..قبيل موعد الأذان بعشرة دقائق خرجت من بيتي الذي يقع خلف الجامع..اندهشت حينما رأيت خروفاً ضخماً يتسلل في جنح الظلام من بيت الوزير..تحركت نحوه بشكل تلقائي حتى أرده لصاحبه ولكن الخروف هرول إلى الناحية الأخرى من الشارع..بعد جهد كبير ومساعدة من شابين قبضت على الخروف الضائع في مكان قصي.. جاءني إحساس أن الله فرج كربتي بذبح عظيم.. بعت الخروف الضخم واشتريت آخر لا يثير ارتياب الجيران.. فائض المبلغ تصدقت به.. حتى حق (الركشة) دفعته من حر مالي..حينما أنهيت قصتي كانت المحامية تبكي ثم تمتم «أنت لست لصاً».
حينما مثلت مجدداً أمام القاضي صمت وبدأت الأستاذة تترافع عني.. كانت تحكي قصتي بشكل درامي ..أحياناً تعبر عني بشكل جيد ومرات أخالها تتحدث عن شخص آخر.. حينما أنهت مرافعتها طرق القاضي على المنضدة بسرعة معلناً براءتي.. لم أفرح .. شعرت أنني لم اتطهر من ذنوبي.. حينما وصلت البيت طلبت من زوجتي زينوبة أن تلم بعض متاعنا القليل لنبحث عن مكان آخر.. لم تعترض زوجتي التي تدرك جيداً أنني لست لصاً رغم أنف الظروف.