مزمل ابو القاسم

خمسة وخمسين


* اهتمام الإعلام بقرار سحب الثقة من وزير الشؤون الاجتماعية في ولاية البحر الأحمر كان طبيعياً ومطلوباً، لأن الحدث استثنائي بكل المقاييس.
* لم يسبق لأي برلمان قومي، أو مجلس تشريعي ولائي، أن أقال وزيراً، أو سحب الثقة من أي مسؤول، طيلة فترة حكم الإنقاذ الممتدة سبعة وعشرين عاماً.
* بالطبع لا يمكن لأي عاقل أن يتخيل أن كل الوزراء الذين أوكلت إليهم حكومة الإنقاذ إدارة الشأن العام، كانوا ناجحين وفاعلين ومبدعين بدرجة جنبتهم شرور المحاسبة من السلطة التشريعية لأكثر من ربع قرن.
* ردة فعل الوالي الرافضة للقرار والساعية إلى نقضه كانت طبيعية، لأن خمول البرلمان القومي، وتقاعس المجالس التشريعية الولائية عن محاسبة المسؤولين، وفشلها حتى في إلزامهم بحضور الجلسات، جعل كل من يعملون في السلطة التنفيذية ينظرون إلى الجهاز التشريعي على أنه يمثل سلطة تابعة لهم، وينكرون كونه سلطة (موازية)، تمتلك حق الاستدعاء والمحاسبة وحتى الإقالة، حسب نص الدستور.
* أقال الوالي الغاضب وزير ماليته من دون أن يرمش له جفن، متهماً إياه بتحريض المجلس التشريعي على سحب الثقة من وزير الشؤون الاجتماعية.
* هنا تبدو مفارقة غريبة، لأن الوالي الذي أتى (بالتعيين)، أقال أحد الوزراء منفرداً، ثم أنكر تلك السلطة على مجلس تشريعي يضم (48)، نائباً، انتخبتهم جماهير البحر الأحمر بموجب الدستور.
* لا يوجد أي نص في الدستور القومي، ولا في دستور المجلس التشريعي لولاية البحر الأحمر يمنح الوالي سلطة نقض قرار المجلس، اللهم إلا إذا ساد مفهوم تبعية الجهاز التشريعي للجهاز التنفيذي، وتمددت سلطة الحكومة والحزب لتطغى على سلطة البرلمان.. كالمعتاد.
* وزير الشؤون الاجتماعية استحق الإقالة، لأنه تجاوز مجلس وزراء الولاية والمجلس التشريعي، وحاول إنفاق الدعم المخصص من المركز لمكافحة الفقر في الولاية، في مشاريع أقل ما توصف به أنها مضحكة، مثل تحديد أكثر من خمسة مليارات جنيه (بالقديم) لشراء مناشير لقطع أشجار (المسكيت)، مع أن تلك الأشجار لا تقطع بالمناشير، بل تنتزع من جذورها كي لا تنمو من جديد.
* هناك مشروع آخر خصص له الوزير المعفي أكثر من سبعة مليارات جنيه، لإنشاء مزارع بستانية، مساحة الواحدة منها خمسة أفدنة فقط، وتكلف نصف مليار، بخلاف مشروع لشراء (ماعز) يكلف زهاء أربعة مليارات جنيه، ويزعم الوزير أن كل معزة فيه تحلب أربعة أرطال لبن في اليوم!!
* مشروع المعيز أثار حفيظة النواب، بدرجة جعلت أحدهم يسخر من مقدار الحليب المتوقع منه، ويسأل الوزير: (غنماية تحلب أربعة أرطال في اليوم.. مهجنها جمل)؟
* نتوقع أن لا يصمد قرار المجلس التشريعي، لأن المؤتمر الوطني درج على تدجين المجلس الوطني والمجالس التشريعية، وتعود على منعها من محاسبة أي وزير يخفق في أداء واجبه، وتلك مصيبة قديمة، نتمنى أن لا تعاود ظهورها في الثغر لتحرم مجلساً استحق التحية والإعجاب من ممارسة سلطاته كاملة.
* نرجو للظاهرة الساحلية الحميدة أن تتمدد، لتشمل كل المجالس التشريعية، وتنتقل إلى البرلمان القومي، الذي شكا رئيس لجنة الطاقة فيه من عدم علمهم بالزيادة التي طرأت على أسعار الغاز مؤخراً.
* ما استشاروكم في خمسين.. يستشيروكم في خمسة جنيه؟