عثمان ميرغني

صرخة في وادي الصمت..!!


أصحاب سيارات الأجرة التي يطلق عليها الناس “أمجاد”.. غالبيتهم العظمى من موظفي الدولة الذين يجتهدون لسد الفجوة بين المباح والمتاح..لكن قبل أيام قال لي أحد سائقي هذه “الأمجاد”..إن الحراك الاقتصادي جرف زبائنهم..
في السابق كان عامة الناس يفضلون سيارات الأجرة “التاكسي” باللون الأصفر.. ولكن مع توفر خدمة أقل سعراً ببروز “الأمجاد” هجر الناس “التاكسي” إليها.. الآن جاء الدور على “الأمجاد” فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية هرب الناس من “الأمجاد” إلى حافلات “الميني باص” المشهورة بأسماء مثل “الهايس” وغيرها..
لكن حتى هذه الأخيرة بدأت في التعالي بأسعارها التي وصلت(10) جنيهات.. فالمتوقع أن يواصل الناس مسيرة الهروب هذه المرة إلى “باصات الوالي”.. كآخر ملاذ..
هذه المتغيرات لا تعني أن القدرة الإنفاقية للمواطن وخياراته الحياتية تدنت فحسب، بل تعني أن الأزمة الاقتصادية بدأت تضرب فرص العمل الحر في سوق النقل..الذي يأوي إليه عدد كبير؛ غالبيتهم الكاسحة من الشباب.. فستكون النتيجة مزيداً من جيوش العطالة الذين يتقهقرون يوماً بعد يوماً أمام الكساد الكارثي..
مع ازدياد عضوية حزب العطالة؛ فإن المَخرج سيكون في مزيد من الهجرة الاقتصادية إلى الخارج، لكن حتى هذه صارت تعاني من ويلات انهيار أسعار البترول.. ولم يعد متاحاً إلا مغامرات ركوب البحر إلى أوروبا..وهي حتى إن سلمت فقد يكون مصيرها عوداً حميداً بأقرب طائرة؛ كما حدث قبل أيام قلائل للسودانيين الذي أفلتوا ووصلوا إلى البر الأوروبي فأعادتهم إيطاليا جواً إلى الخرطوم.
لن أجادل في العلاقة الطردية بين العطالة وازدهار سوق المخدرات والجريمة عموماً..لكن ذلك وجه واحد مرتبط بالخروج على القانون..ويبقى الوجه الآخر المخيف المتوفر في حرز القانون، والذي سيقتات من مستقبلنا ولن يسهل إصلاحه في المدى القريب.. الوجه المرتبط بالأسرة خاصة والمجتمع السوداني عامة…
تفيد الإحصاءات بارتفاع مخيف في سن الزواج..للجنسين البنات والأولاد.. ليس لأي سبب سوى التصحر الاقتصادي الذي يعانيه الشباب..فيتضافر مع نضوب تأسيس الأسرة عامل آخر أشد بشاعة.. هو ارتفاع مذهل في أرقام الطلاق؛ تقدره بعض الدراسات بحالة طلاق من كل ثلاث زيجات..ووجه القتامة في هذا الرقم أنه يرسم حالة (فشل) سارية المفعول بأفجع ما يكون في الأسرة (نواة المجتمع)..فالخارجون منها بورقة الطلاق؛ علاوة على هدمهم لأسرة؛ فهم يشيعون الإحباط المعطِّل للراغبين في الالتحاق بقطار الزواج..
كل يوم يمضي نخسر عاماً من قيمنا وبصمتنا الأخلاقية.. ونتحول تدريجياً إلى مجتمع مضعضَع الهوية..
كل هذا، والحكومة والمعارضة في واد.. وشعب السودان في واد..