تحقيقات وتقارير

(البندول) مقابلا للانفلات.. الوطني يستخدم الدواء الـ(نافع)


حزب المؤتمر الوطني الحاكم يشعر بالصداع من تفلتات عضويته في عدد من الولايات، ولا يجد الآن بداً من تحرير الروشتة التنظيمية الشهيرة المعروفة اختصاراً بـ(بندول نافع) لتدارك وحسم ما يمكن حسمه، ومن يمكن حسمهم كذلك.
وإزاء مشكلات الحزب الولائية، خرجت مركزيته لتؤكد على لسان نائب رئيس القطاع السياسي د. عبد الملك النعيم أنها في صدد تفعيل اللوائح التنظيمية المضادة للتفلت، وهو قول يساوي المعادل اللطيف لقولة القيادي بالحزب د. نافع علي نافع بحق متفلتي الحزب إبان انتخابات العام 2010م: (الزعلان بنديهو بندول).
ضبط الإيقاع
منذ مدة يحاول المؤتمر الوطني ضبط إيقاع الولايات، بما يحول دون عزف النشاز، ويفضي إلى خلق حالة “هارموني” بين المركز والأطراف.
بلغة السياسة نقول إن الحاجة باتت تستدعي احكام قبضة المركز التي قد يغري ارتخاؤها المتفلتين بنقل (فايروس) حتى القلب.
ووفقاً لتعديلات لحقت بنصوص الدستور صراحة، آل أمر تعيين الولاة للرئيس المنتخب، وفي حالتنا الرئيس عمر البشير الذي اكتسح صندوق انتخابات العام 2015م دون عناء.
وكان الرئيس البشير الذي يشغل كذلك منصب رئيس حزب المؤتمر الوطني، عبّر عن بالغ قلقه من مسألة الاصفاف الجهوي والقبلي والمناطقي حول مرشحي حزبه لمنصب الوالي بالكليات الشورية التي كاد أن يتحول بعضها إلى مقتلة، فتلقف نواب حزبه البرلمانيين قلقه وعالجوه بنص حول الأمر من انتخاب الولاة إلى تعيينهم رئاسيا، وعليه سدت ثغرة كاد يؤتي الحزب الحاكم من خلالها ولكنها فتحت في المقابل الباب على مصراعيه لاعتراضات المعارضين الذين يعتقدون أن الوطني لا يزال يفضل نفسه على الوطن.
حالة فصل
دعونا قليلاً من المعارضة التي قاطعت الانتخابات، ولنرى كيف تعاطى الوطني بأغلبيته الميكانيكية مع مسألة تعيين الولاة ذاتها.
من فوره قام الرئيس بتسمية ولاة لا يمتون بصلة للولايات التي تقرر أن يبتعثوا على رأسها، إمعاناً في درء الفتنة، وحتى لا يقولن قائل لماذا تم اختيار فلان لا فلان.
كذلك ومن الأسباب المرعية في مسألة إبعاد أبناء المناطق عن جغرافياتهم، إزالة حالة التماهي بين عدد من الولاة والولايات، فمثلاً ما إن نأى
تذكر بورتسودان حتى يأتيك محمد طاهر أيلا الذي سلّح سلطاته فتحول إلى (أيلا حديد)، أما لو ذكرت شمال دارفور ليأتينك عثمان محمد يوسف كبر، صاحب الهتاف الشهير (شبر شبر.. البشير وكبر).
مظاهر انفلات
حسناً، رغم الإجراءات المنيعة التي صاحبها ايكال الأمر في عدد من ولايات البلاد للعسكر المعروفين بصرامتهم، عادت حالة التصديع مرة أخرى إلى السطح من بوابة مخاشنات بين الولاة والمجالس التشريعية تارة وبين الولاة والتنفيذيين تارة أخرى.
مثلاً في ولاية الجزيرة يعاني ايلا ايما معاناة من مجلس تشريعي يطالب بعض عضويته علانية بسحب الثقة عنه، لما يرونه فشله الذريع في إدارة الولاية الوسطية وابتعاده عن ود مدني إبان موسم خريف غمرت فيه المياه عدد من محليات الولاية فيما هو يستجم في شواطئ شرم الشيخ المصرية.
ذات الصعوبات يتعرض لها خليفة إيلا في البحر الأحمر، علي أحمد حامد، بعدما قرر إقالة وزير ماليته على خلفية ما يشاع أنها تسريبات أوصلها الوزير لمجلس تشريعي الولاية فيما يخص حساب بنكي لأموال دعم مقدمة للولاية من وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي الاتحادية.
أما في نهر النيل، فقد تمكن خصوم محمد حامد البله في النيل منه، حيث تمت إقالته بواسطة رئيس الجمهورية، إثر دخوله في خلافات عديدة أطرافها نواب في التشريعي وقادة في فرعية الحزب بالولاية.
الوجه الآخر
يدافع بعض المركزيين عن الولاة الثلاثة، وينوهون إلى أن الصعوبات التي جابهوها هي نتاج مرورهم بولايات صعبة المراس وعصية الترويض.
فتشريعي الجزيرة معروف عنه قدراته الكبيرة في التصويب على نقاط الضعف في الولاة واظهارهم كأضعف ما يكون، فينتهي الأمر بهم إما مستقلين أو مقالين.
وفي ولاية سليل الفراديس، نهر النيل، ينشغل جملة كبيرة من ولاتها عادة في سياسة إطفاء النيران فتنتهي حقبهم غرقى في بحور تخبط وفشل لا يكتمها حتى عامة الناس.
أما في البحر الأحمر، فكان من المتوقع أن يغرق جميع القادمين في خسارات فادحة إثر مقارناتهم بالوالي السابق وإنجازاته في تحويل مدينة بورتسودان الساحلية إلى قبلة للسائحين المحليين والخارجيين.
التدخلات مطلوبة
بمثلما تدخل رئيس الحزب في حسم مسألة انتخاب الولاة، يحتاج المؤتمر الوطني اليوم لتدخلات حاسمة تنهي حالة السيولة التي بدأت تصيب أطرافه.
ويكثر الحديث بأن الأسباب الرئيسة في احتدام حالة الصراع كلما توغلنا بعيداً من المركز إلى إبدال القيادات المحنكة والحاسمة بقيادات شابة لينة العود، يوتم التنبيه إلى أنه لو كان د. نافع حاضراً في المشهد الآني لاستلف للمتفلتين مقولة الحجاج بن يوسف الثقفي لأهل العراق: (إني ارى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وأني لصاحبها) ثم اتبع قوله ذلك عملا.
ضف إلى ذلك، امتلاء قادة المجالس التشريعية بزهو الوصول عبر الصناديق بخلافاً للمسؤول التنفيذي الأول في الولاية الحاضر بموجب التعيين السياسي، ما يدخلهم في سؤال ايهم أعلى رايا وقرارا.
عند هذه النقطة، ينوه المحلل والمراقب الصحفي لشؤون حزب المؤتمر الوطني، خالد الفكي، إلى أن حالة الضعف التي يعانيها قطاع التنظيم في الحزب الحاكم أودت به إلى الحالة الراهنة.
يقول الفكي لـ “الصيحة” إن قطاع التنظيم عجز عن تفكيك “الكنتونات المناطقية والقبلية” لعضويته في عدد من الولايات، وفاقم ذلك بموافقته على الدفع بعدد من القيادات إلى محال المسؤولية على سبيل الترضية، فضلاً عن إمساكه –قطاع التنظيم- عن تفعيل القوانين واللوائح المحاسبية وترك الأمور بين عضوية الحزب لتتطور وصولاً إلى وسائل الإعلام فيما كان في المقدور لملمة الأمر عند نقاط بدايته فقط لو جرى تحسس المشكل بطواف ميداني.
إجابة حاسمة
على كل حال لو سألنا الحادبين على أمر الوطني عن الطريقة الأجدى لمعالجة أدواء الحزب في الولايات، لما وجدنا سوى الدعوة للعودة إلى حالة الهيمنة والقبضة المركزية، ,أو قل (بندول نافع) الذي يكفي الصداع بتكسير رؤوس أهل التفلت.

الصيحة