تحقيقات وتقارير

بعد تصريحات أمير (حمر) الأخيرة الولايات.. مطالب (قبلية) على الملأ..!!


تأتي مطالبة أمير عموم قبائل دار حمر عبد القادر منعم منصور بإنشاء ولاية وسط كردفان عاصمتها النهود التي دفع بها خلال خطابه في الاحتفال الجماهيري لاستقبال رئيس الجمهورية بمدينة النهود الأربعاء الماضي في سياق الأصوات التي بدأت ترتفع الآونة الأخيرة في أكثر من منطقة بإعادة النظر في الحكم اللامركزي بحيث يضمن لبعض القوميات والعرقيات تمثيلاً في إدارة شأنها، مما يقود لطرح تساؤلات حول التجربة اللامركزية التي بدأتها الإنقاذ منذ بواكيرها كمحاولة للمساعدة في حل مشكلة الجنوب ولتوفيق أوضاع الولايات بناء على توصية مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام الذي انعقد بالخرطوم في الفترة بين 9 سبتمبر إلى 21 أكتوبر 1989م، فهل حقيقة تم إنفاذ توصيات اللجان التي تم تكليفها من الخبراء والفنيين بوضع الأسس والمعايير والدراسات لقيام الحكم اللامركزي كمشروع يستهدف خلق توازن تنموي بين ولايات السودان المتعددة، أم تم الانحراف بها مما جعل تقسيم وإنشاء الولايات يأخذ طابعاً سياسياً وقبلياً استجابة لمطالب التظلمات الجهوية تحت غطاء مراعاة ظروف الولايات الأقل نمواً للأخذ بها واللحاق بالولايات الأكثر نمواً ما شكل حزمة صعوبات أعاقت تطبيق اللامركزية الراشدة.
انحراف معايير
يرى كثير من المراقبين أن الانحراف عن اتباع المعايير والأسس المتعارف عليها عالمياً كما جاء في التوصيات والعمل باعتماد معايير كالقبلية والولاء والانتماء السياسي أدى لفتح شهية القبائل للمطالبة بولايات، ويوجه في ذلك أصبع الاتهام لدكتور علي الحاج وزير الحكم الاتحادي السابق وهو الذي أشرف على إنفاذ توصيات هذه اللجان في بداياتها فيما عرف بالفدرالية قبل التحول إلى اللامركزية في مرحلة من مراحل تطور التجربة، التي ظهرت بالفدرالية التي جاءت مدفوعة بالبحث عن حل لمشكلة الجنوب وسرعان ما تحولت للاستجابة لحاجات وتطلعات المواطنين بتقسيم السلطة والثروة وخلق التوازن التنموي، وحل مشكلة المشاركة في السلطة، واقتسام الدخل القومي، بدلاً من التعبير عن التنوع الثقافي، والهوية وعلاقة الدين بالدولة.
تقييم تجربة
وهذا الانحراف الذي تم في وقت مبكر في تجربة الحكم اللامركزي وتمت الإشارة إليه من قبل بعض المختصين في أحاديثهم خلال الندوات والورش التي تعقد لتقييم تجربة الحكم اللامركزي في السودان ويرون أنه بدا واضحاً في الأصوات التي ترتفع بإعادة النظر في الحكم اللامركزي ليضمن تمثيلاً لبعض القوميات في إدارة شأنها بإنشاء ولايات على أسس قبلية الذي ظهر في مطالبة زعيم حمر عبد القادر منعم منصور خلال احتفال جماهيري باستقبال ريئس الجمهورية وجاءت مطالبته بإنشاء ولاية وسط كردفان عاصمتها النهود مبرراً ذلك بأن مواطني المنطقة قد ضاقوا ذرعاً من ولاية عاصمتها غير النهود. ونوَّه الأمير منصور لأن أهالي المنطقة لا يريدون الحصول على خدمات بإنشاء هذه الولاية وإنما هي مطالبة بمنحهم سيادة من خلال الولاية، ومطالبة أمير حمر بتخصيص ولاية لمنطقته ليس وليد اللحظة وإنما تعود إلى وقت سابق إبان فترة فصل ولاية غرب كردفان عن ولاية جنوب كردفان بعد انفصال الجنوب ووقتها طالب أهالي منطقة النهود بمنحهم ولاية أسوة بعودة الفولة لكن طلبهم قوبل بالرفض ما دفعهم لرفض فصلهم من ولاية شمال كردفان وإعادتهم لغربها، ومن ضمن الحلول التي طرحها مواطنو النهود كشرط لعودتهم لغرب كردفان أن تنقل حاضرة الولاية من الفولة للنهود إلا أن هذا الطلب قوبل بالرفض من المركز وأصبحت المطالبة بجعل النهود حاضرة الولاية حلماً يراود الأهالي ويبدو ذلك واضحاً من حديث الأمير بقوله: (إن مواطني المنطقة ضاقوا ذرعاً من ولاية عاصمتها غير النهود).
مطالبة قديمة
ومطالبة أمير حمر ليست وحدها التي ترتفع فهناك مطالبة بولاية شرق جنوب كردفان التي تنشط هذه الأيام متزامنة مع عملية المفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال وهي مطالبة قديمة تعود لفترة التسعينيات وبرزت بصورة واضحة بعد اتفاقية جنيف (2001) الخاصة بجبال النوبة وسبقت اتفاقية نيفاشا، وجاءت المطالبة بها عبر الناشطين من أبناء المنطقة وزعماء الإدارة الأهلية الذين قدموا طلباً لرئيس الجمهورية بمنحهم ولاية أسوة بولاية غرب كردفان ووعد بالنظر فيه، وأصبح مطلباً يرفعه أهالي المنطقة عند زيارة القادمين من رئاسة الجمهورية للمنطقة، لكن خفت هذه المطالبة بعد دمج ولايتي جنوب وغرب كردفان.
ملصقات وبيانات
وسرعان ما نشطت هذه المطالبة بعد عودة ولاية غرب كردفان إلى فترة الوالي أحمد هارون كطلب دفع به نواب المجلس التشريعي بالولاية من دوائر المنطقة، الأمر الذي أزعج الوالي أحمد هارون الذي سارع بمحاولة تحاشي تصاعد هذه المطالبة من خلال إعلانه لمدينة أبو جبيهة أكبر مدن المنطقة بأنها عاصمة ثانية للولاية وأطلق عليها اسم العاصمة الاقتصادية، غير أن هذه المطالبة تحولت من العلن إلى الخفاء في شكل منشورات وملصقات وبيانات تم توزيعها في مدينة أبو جبيهة من جهات مجهولة، واجهها الوالي أحمد هرون بتعيين نائب والٍ من المنطقة، وجاءت معالجة المركز بتعيين الوالي آدم الفكي، أحد أبناء المنطقة والياً خلفاً لهرون، لقطع حجة الأهالي في مطالبتهم بولاية نتيجة ضعف تمثيلهم في حكومة الولاية والمركز الذي قوبل بتعين الشهيد عيسى ضيف الله وزير دولة بالسياحة، والذي تجري هذه الأيام مشاورات لتعيين خلف له من أبناء المنطقة.
تجانس وتداخل
وحجة أعيان وناشطي المنطقة الشرقية في مطالبتهم بولاية يرون أنها تمتاز بكثير من المقومات التي تؤهلها لتكون ولاية من ناحية المساحة إذ توجد بها سبع محليات بجانب أنها تضم كثيراً من الموارد الاقتصادية فضلاً عن أنها منطقة ذات تجانس وتداخل واختلاط سكاني ما صعَّب على حركة التمرد أن تنشط فيها بعد أن صعب عليها إحداث اختراق في نسيجها الاجتماعي إلا بالقدر اليسير، على عكس ما فعلت في بقية أجزاء الولاية.
مسؤولية الانحراف
وفي سياق رده على التساؤلات التي طرحتها (الصيحة) عما إذا كان تم انحراف بتوصيات ودراسات اللجان المكلفة بوضع أسس اللامركزية في السودان أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية د. صلاح الدومة أن الانحراف حدث في الحكم اللامركزي يوم أن بدأت المحصاصة جغرافياً وديمغرافياً والتي قال إنها أصبحت تسري في جسد اللامركزية كالسرطان، تتنامى في شكل المطالبة العشوائية اللامتناهية من قبل بعض القبائل بتمثيلها في الحكم. وزاد: “في ظل هذا المد أتوقع أن تطالب العشائر بولايات”. ونفى الدومة تحمل د. علي الحاج مسؤولية الانحراف الذي تم في الحكم اللامركزي قائلاً: “نعم علي الحاج أشرف على اللجنة التي وضعت معاييره، لكن الإنقاذيين هم من انحرف بها وهذا نهج ظلوا يتبعونه في كل الموافق يضعون القوانيين وهم وأول من يخرقها، مستشهداً بخرق الاجراءات التي وضعت لكبح تزايد سعر الصرف للعملات من قبل مدير البنك المركزي السابق صابر محمد الحسن”. وقال: “هي واقعة مثبتة ببلاغه عن سرقة عملات كان يحتفظ بها خارج الجهاز المصرفي رغم القرارت التي تمنع ذلك”.

الصيحة


تعليق واحد