تحقيقات وتقارير

الهجرات مستمرة إلى الأراضي السودانية أحداث إثيوبيا.. القضارف تُسدِّد فاتورة صراع الأمهرا والتقراي


مازالت الاضطرابات والصراعات الأمنية قائمة ممتدة بين قبيلتي الأمهرا والتقراي بدولة إثيوبيا حيث شهد إقليم قندر، المحازي لولاية القضارف، أحداثاً عنيفةً أدت إلى استمرار التدفقات الإثيوبية وموجة النزوح إلى السودان عبر بوابة القلابات السودانية مروراً بالمتمة الإثيوبية التي أضرم فيها التقراي النيران وقاموا بحرق بعض المتاجر.

الأزمة مستمرة
فشلت التحركات السياسية التي تمت داخل الإقليم في احتواء الأزمة الدائرة الآن وإرجاع التقراي الفارين إلى معاقلهم عبر منطقة اللكدي السودانية إلى الحمرة الإثيوبية. بل إن التوجيهات السياسية والأمنية التي تم اتخاذها ضد المجموعات التخريبية والاعتقالات لم تنجح في إيقاف الأزمة، خاصة بعدما أجبرت قبيلة الأمهرا التي تقدر بحوالي 27 مليون نسمة، أقلية التقراي التي تقدر بأربعة ملايين، على الفرار ومغادرة معاقلهم، لترتفع عمليات الهجرة إلى أراضي السودان التي تم فيها استخدام وسائل كثيرة بما في ذلك السيارات والدراجات البخارية. وفي أثناء ذلك لم يجد الكثيرون من الفارين بُدَّاً من التخلص من أمتعتهم داخل سوق القلابات.

تعزيزات عسكرية
ومع اشتداد الأزمة تعالت الأصوات المنادية بضرورة أن تكون الحكومة السودانية حاضرة في المشهد الإثيوبي الذي يشهد حالة من الغليان. ولعل ذلك ما جعل الحكومة تسارع بالدفع بتعزيزات عسكرية إضافية على طول الشريط الحدودي.

موجة جديدة
وبالمقابل كانت الأمم المتحدة حاضرة في المشهد، وهو ما أدى إلى ترحيل أكثرية الفارين إلى إقليم التقراي، الذين ظلت أعدادهم في ازدياد. ويرجح بعض الخبراء ارتفاع موجة اللجوء إلى الأراضي السودانية خاصة أن سماء الأزمة في إثيوبيا لا تزال ملبَّدةً بسحب ربما تمطر مزيداً من الدماء والتشريد، ولا سيما أن التدخلات السياسية لإنهاء الأزمة لم تفلح بالدرجة المطلوبة في وقف حالة الاحتقان التي سادت الإقليم.

وتوقع الخبراء ظهور موجة نزوح أخرى كبيرة من إقليم التقراي للأقلية من الأمهرا نحو شهيدي وقندر والمتمة بحيث تعود كل قبيلة إلى إقليمها مما يضع حكومة ولاية القضارف في حالة تأهب قصوى أمنياً وسياسياً لاتساع الشريط الحدودي الموازي على طول 250 كيلومتراً في أربع محليات حدودية بين القضارف والأراضي الإثيوبية.

تصاعد الصراع
الصراع القبلي الحاد الذي ارتبط بالواقع السياسي الإثيوبي تصاعد مع جلوس ديسالين هايلي مريام على كرسي رئيس وزراء إثيوبيا وذلك بعد سيطرة التقراي على الاقتصاد والتجارة خاصة في كبريات المدن لتنطلق تحركات تضامنية بين الأمهرا والأرومو ليستهدف الصراع والقتال الدائر الآن قومية التقراي اقتصادياً بعد اندلاع الأحداث الصغيرة لتتحول إلى صراع قبلي كبير يهدِّد السلطة الإثيوبية خاصة أنه وجد السند من بعض خصوم إثيوبيا الذين عملوا على الترويج للأزمة وتقديم الدعم السياسي والمخابراتي وربما العسكري لتنزلق إثيوبيا، التي تعتبر واحدة من أهم دول القرن الإفريقي، إلى قتال قبلي بين الأمهرا والتقراي، على نحو ما يحدث بين الدينكا والنوير في دولة جنوب السودان الوليدة.

تعليق التبادل التجاري
ألقت الأزمة الدائرة في إثيوبيا بين الأمهرا والتقراي بظلال سالبة على الحدود مما أدى إلى تعليق التجارة الحدودية بين السودان وإثيوبيا منذ أكثر من ثلاثة أيام لعدم استباب الأمن بجانب إضرام النيران وحرق كل المحال التجارية في سوق المتمة الإثيوبية. ويرى المحلل السياسي الدكتور مهند علي محمد نور أن التجارة الحدودية بين القلابات السودانية والمتمة الإثيوبية من أهم المعابر التجارية الحيوية للتجارة مع إثيوبيا والبحر الأحمر والعالم بأكمله. ولفت محمد نور في حديثه مع (الصيحة) إلى أن الاضطرابات الدائرة علي الشريط الحدودي لها آثارها السالبة على الموسم الزراعي الحالي حيث يضم الشريط الحدودي الممتد أهم الأراضي الزراعية الخصبة السودانية والتي يتم فلاحتها واستئجارها من قبل الإثيوبين فضلاً عن تسويق المحصولات الزراعية الإثيوبية ببورصة أسواق محاصيل القضارف. وأشار الدكتور مهند إلى أن تلك الأوضاع سوف تجعل حكومة ولاية القضارف تواجه صعوبات ومشقة كبيرة في تأمين الشريط الحدودي الممتد عبر إقليمي الأمهرا والتقراي بموازاة عدد من المحليات، لافتاً إلى أن ولاية القضارف أصبحت في ظروف بالغة التعقيد وهو ما يتطلب رفع وتيرة الاستعداد لتلافي أي آثار متوقعة للأحداث وحتى لا ينتقل الصراع لجزء من الأراضي السودانية أو محاولة أحد الأطراف استغلالها.

وطالب المحلل السياسي المركز بالتدخل لإدارة ملف الأزمة بإشراف ودعم من حكومة الولاية خاصة الجوانب الأمنية والسياسية والإنسانية، مضيفاً أن حكومة ولاية القضارف تواجه مأزقاً، حيث تتعامل مع إقليمين تعد الأحداث الاخيرة مؤشراً قوياً لعدم الانسجام بينهما مما يستوجب قدراً عالياً من الحذر والدقة والحياد في التعامل مع الإقليمين فيما يتصل بالأزمة الراهنة بل في مختلف أوجه التعامل اقتصادياً وأمنياً وسياسياً.

وبدروه أشار المدير التنفيذي لمحلية باسندة الحدودية، عوض الكريم الربيع، إلى استمرار لجوء الأطراف المتصارعة إلى محليته من قبل التقراي، منوهاً إلى أن القنصل الإثيوبي والمدير الإداري والأمني خاطب الفارين بضرورة العودة إلى إثيوبيا عبر المتمة، لكن نداءاته لم تجد الاستجابة حيث فضل التقراي البقاء في إقليمهم بالدخول عبر اللكدي السودانية. وقال عوض الكريم إن الوفد الإثيوبي والقنصل أشادوا بكرم وحفاوة الشعب السوداني في إيواء وترحيل الفارين بعد أن ظلت لجنة أمن المحلية في حالة تأهب وانعقاد دائم. وكشف الربيع عن ترحيل الفارين عبر ثلاث مجموعات منذ اليوم الأول من الأحداث وذلك عبر الأمم المتحدة وفق تنسيق أمني عالٍ.

القضارف: عمار الضو
صحيفة الصيحة