تحقيقات وتقارير

مصانع الأغذية في أمدرمان.. من هنا تنبع الكارثة ..!


وصل حال المناطق الصناعية في أمدرمان إلى الحضيض؛ فهي مناطق موبوءة من الناحية البيئية والصحية وتنعدم فيها الخدمات، وهنا تشير أصابع الاتهام إلى الجهات المختصة بتنمية وتطوير حال المناطق الصناعية والموكل إليها الإشراف لهذه المناطق؛ من تهيئة الطرق وإزالة النفايات وتوفير بيئة عمل مناسبة، وانحصر دورها فى الجانب التحصيلي وجباية الضرائب التى قصمت ظهر الكل، دون تقديم مصل حقيقي ينهي معاناة الكل، فنشاهد في كل فترة زيادة رسوم جديدة دون تقديم خدمات ملموسة سوى الوعود الوردية، فى الجانب الآخر لانحمِّل الجهات الرسمية المسؤولية كاملة، فأين المسؤولية الاجتماعية لهذه الشركات والمصانع إزاء المنطقة التي تعمل بها.

جدل المنتج وهيكل المصنع..!!
عندما تجد منتجاً لشركة أغذية فى نقاط بيع معينة سواء كان فى متجر أو سوبر ماركت؛ تتعجب منه فى تصميمه ومذاقه؛ الذي تتمنى أن لايذوب فى لسانك من شدة حلاوته، وإذا كنت فقيراً لم تندم على المبلغ الذي دفعته في سبيل أن تحصل عليه، ولكنك ياعزيزي القارئ لو شاهدت المصنع أو الشركة التي أنتجت ذلك المنتوج البديع سوف تشعر بالغثيان والتغزز من رداءة البيئة المنهارة فى مجمع الصناعات بالمنطقة الصناعية أمدرمان.

أكثر من 50 مصنعاً للأغذية…!!
مجمع الصناعات هو مجموعة من مصانع الأغذية المختلفة من مصانع الألبان والزبادي والبسكويت والحلويات ومصانع الثلج والمشروبات الغازية واللحوم ومصانع غذائية أخرى يتخطى عددها الـ50 مصنعاً للأغذية، وتحتل مساحة شاسعة جداً تبلغ حوالي اثنين كيلو متر ، فهي منطقة تعج بالمصانع، فهذه المجموعة من المصانع تتواجد في وسط منطقة أمدرمان يحدها من الناحية الجنوبية السوق الشعبيي أمدرمان؛ أما من الناحية الشمالية فتجاورها منطقة الثورات (زقلونا وغيرها ) أما من الناحية الغربية فمنطقة أمبدة، ومن الناحية الشرقية تجاورها أحياء أمدرمان أمثال حي العرب وغيرها، و الشيء المؤسف أن هذه المصانع تحيط بها وتتخللها مجموعة من القاذورات التي تؤثر على بيئة هذه المصانع؛ مما تجعل بيئتها غير صالحة للإنتاج؛ ولاتجد من يهتم ببيئتها، و كما أسلفت، وهي منطقة تجمع لصناعة أنواع مختلف من الأغذية فهنالك قصور كامل من الجهات المسؤولة تجاه هذه المصانع الغذائية، حتى أرضية المنطقة تغير لونها الى اللون الغامق؛ من كثرة الأوساخ والنفايات، إذا شاهدتها لأول مرة تجزم بأن هذه المنطقة مهجورة ولايوجد بها أي نشاط اقتصادي يعكس حالها، فكثير من أطفالنا يعتمدون على منتجات هذه الشركات فى غذائهم الرئيسي؛ فالأحرى أن تنظف حتى تليق بفلذات أكبادنا خوفاً عليهم من الأمراض.

غياب إداري
فعندما دلفت إلى تلك المنطقة التى تضم مختلف المصانع الغذائية لم تضح لي الاتجاهات، وكذلك إلى أي شخص قادم لأول مرة إلى تلك المنطقة لكثرة الاكتظاظ والفوضى العارمة، وعدم التنظيم فهي عبارة عن مختلط من الأشياء، هذا في ذاك لاتدري أين الأول من الآخر ولا الشمال من الشرق، فكنت تابعة لدليلي فقط، وأنظر لهذا وذاك، وأنا فى دهشة مما شاهدته عيناي من سوء بيئتها، فهنالك غياب إداري كامل لايوجد تنظيم لهذه المنطقة فأول المصانع التى أردت المرور عبرها كانت لأحد مصانع الألبان؛ فلم أستطع المرور لوجود كمية كبيرة جداً من المياه القذرة والنتنة؛ التي تحمل اللون الأخضر ويحتوي كمية كبيرة جداً من الطحالب، وتعوم فوقها مجموعة من الأكياس البلاستيكية، وأصبحت مكان استجمام للكلاب الضالة التي تلعق منها، وكانت تحيط بهذا المصنع إحاطة السوار بالمعصم، وتقف عائقاً للمارة، فتساءلت في نفسي سؤال استعجاب! كيف يتم إنتاج هذه الألبان بهذه الكيفية؟ وفي مكان غير مؤهل البتة؟ وعندما سألت رفيقي عن هذه المياه ؟ ذكر بأنها مياه أول غيث ممزوجة بمياه صرف صحي، وبرغم المساحة الكبيرة التي تحتلها هذه المجموعة من المصانع الغذائية إلا أنها لايوجد بها مصرف لتصريف مياه اأمطار ومن أجل العبور إلى مصنع الألبان وإلى مصنع آخر وضعت كميات مهولة من الأكياس الممتلئة بالنفايات والقاذورات كمعبر للمارة، و لاخيار غير الذهاب على تلك الأكياس القذرة حتى نستطيع الخروج من ذاك المأزق، فقال رفيقي إن هذه النفايات التي وضعت كممر رسومها مدفوعة، ولكن لا توجد خدمات في المقابل ومنظر هذه المياه وطريق العبور إلى مصنع آخر متكررة بذات الكيفية للمصانع الأخرى تحيط بها المياه الآسنة والقاذورات والروائح الكريهة وجبال النفايات الشاهقة، فهل هذه بيئة تصلح لإنتاج استهلاك غذائي؟ وأين هو الدور الرقابي للسلطات المختصة أم تكتفي بالقول البليغ البديع؟

شارع الحفر
ثم توغلت إلى اتجاه آخر ، وكما ذكرت؛ لم أدرِ الشمال من الشرق، فواجهت رهقاً ومشقة فى الذهاب في الطريق، نسبة لوجود مجموعات من الحفر الكبيرة، ووضعت فوقها مجموعة من الأنقاض الكبيرة التي يصعب على الشخص الذهاب عليه سواء كان بالأرجل أو العربات وكانت تحيط بجزء مصانع البسكويت، وأخرى فهذا الشارع يطلق عليه شارع الحفر ، من كثرة الحفر الموجودة على طوال امتداد هذا الشارع و قال رفيقي هل تعلمي؛ بأن هذه الأنقاض الكبيرة بعد فترة اذا سجلت زيارة ستجدينها اختفت أين تذهب؟ سوف تقوم هذه الحفر بهضمها (ابتلاعها) وتظهر مرة أخرى !!! مما تشكل خطورة على الأشخاص الذين يعملون فى هذا المجمع

القانون ساعة واحدة فقط
وفي أثناء تجوالي لاحظت مجموعات متفرقة من الرواكيب المتواجهة بين المصانع، وبها سكان سألت رفيقي عن هذه الرواكيب؛ هل هى رواكيب يقطن بها الغفرة لأنني شاهدت أطفالاً؟ قال نافياً هذه مجموعات متطفلة تسكن منذ فترة طويلة ومعظمهم يقومون بإعداد الخمور والممارسات غير الأخلاقية، وللعلم كل الذين تحتضنهم هذه الرواكيب من سكان البلد، وليسوا بأجانب لاتوجد مداهمات لهذه الرواكيب ؟ قال لم أشاهد أي نوع من المداهمات على الإطلاق؛ فكل الذي نشاهده من مداهمات فقط من أجل التحصيل الرسوم؛ من ضرائب ورخص ورسوم نفايات وغيرها ففي هذه المنطقة يوجد كل شيء وأي شئ ولا يوجد بها قانون يسيطر عليها، ثم أشار بيده؛ وكان مستاءً جداً وهو يقول انظرني ويشير بيده هنا وهناك؛ قائلاً كل هذه الأسوار عبارة عن مصانع مسوّرة فقط، ولا تعمل فأصبحت مخبئاً حقيقياً للمجرمين واللصوص الهاربين من القانون و تزيف العملة، ففي هذا المجمع يوجد جو خصب لمواراة الجريمة؛ أين شرطة النظام ؟ قال لي تعالي لتنظري لشرطة النظام، فتحركنا بصعوبة بالغة جداً فى تلك القاذورات والنفايات والمياه إلى أن وجدت مبنى قديماً مشيداً فى شكل غرفة وطلاؤه بالٍ جداً ولا يوجد بها أساس ولا أفراد شرطة عبارة عن مبنى مشيد؛ كموقع للشرطة فقط، وكتب عليه بسط أمن شامل؛ ولكن لم أشاهد بداخله شيئاً، وهل تعلمي يا أستاذة إن دائرة القانون فى هذه المنطقة ضيق جداً وزمنه ساعة واحدة فقط، بمعنى من الساعة الثامنة صباحاً وحتى التاسعة صباحاً العرائض بتنتهي وبعد هذا الزمن لاتستطيع فتح بلاغ في مجرم إذا حدثت جريمة؛ لاتستطيع عمل شيء، وتنتظر إلى أن يأتي وكيل النيابة عند المساء أو تأتي اليوم الثاني !!! فهل الجريمة مربوطة بزمن محدد حتى تحدد زمن العرائض ساعة واحدة والجدير بالذكر ، أن هذه المناطق أصبحت وكراً لمتشردي سوق امدرمان والسوق الشعبي في جنح الليالي، لايمكنك السير بمفردك او تفقد أحد أطرافك؟

قندهار قدر ظروفك
وفجأة وجدت نفسي بالقرب من تجمع من المواطنين منحصرين بين اثنين من المباني العالية؛ التى شيدت في شكل عمارات وكمية من الدخان الذي يحلق فى السماء، فقلت له ماذا هناك؟ قال ذاك سوق يسمى سوق قندهار قدر ظروفك، وماذا يعرض فيه وقصة الدخان هذه ؟ قال تعالي لتشاهدي بعينك، وعندما اقتربت بدأ الهواء يبعث لنا بالروائح الطيبة، فكانت روائح شواء فعندما توغلت إلى الداخل وجدت خليطاً من الباعة نساء ورجالاً، فالنساء كنَّ يضعن أمامهن مناقد (كانون) صغيرة، وبها أوانٍ بالية وكاشفة وبها أنواع مختلفة من اللحوم، البعض تعرفت عليها؟ وأخرى لم تتضح لي ماهي ؟ أما الرجال فكل واحد كان يضع أمامه حديدة فى شكل سيخ للشواء، ويحيط به كمية من الدخاخين ووضع حوله أنواعاً مختلفة من أحشاء الخراف والأبقار و رجل آخر أخذ زاوية وضع إناءً كبير اً فوق ثلاثة أحجار كبيرة، وأسفلها نار (اللداية) والأغرب من ذلك؛ أنه أغلق هذا الإناء بكيس كبير من أكياس النفايات، وبجانبها مجموعة كبيرة من الأحشاء المقطعة، وضعت في صينية وكاشفة أيضاً يجتمع فوقها كمية من الذباب فى انتظار دورها للاستواء، والأغرب من ذلك أن هنالك تجمعاً رهيباً من الزبائن فسألته بكم الطلب. قال باثنين جنيه فقط، ثم قال: إذن كيف الشعب لا يمرض اذا كان هنالك أُناس يتناول مثل هذه الأطعمة؛ وبهذه الكيفية ؟ فمن أين يأتون بهذه اللحوم والأحشاء التى طلبها باثنين جنيه ؟ قال اذا أردت فلنذهب وتشاهدي، فسألته إذا كانت المسافة قريبة من هنا لأنني أعاني من قدمي، قال فلنذهب للجانب القريب، وبالفعل وجدت أشياء يصعب وصفها؛ ولابد أن يشاهد كل شخص بذاته، واكتفيت بأن آخذ جزءاً من الصور.

فكان لابد أن التقي بأحد المسؤولين فى ذات المنطقة، وهو الأستاذ الريح يوسف البشر ؛ مدير التأمين الذاتي، فعندما التقيت به أقر بأن منطقة مجمع الصناعات الغذائية أصبحت مخبأً حقيقياً للمجرمين؛ لأن هنالك مصانع متوقفة عن العمل وأخرى أسوار فقط، مما ساعدت على نمو الجريمة، وأصبحت مأوى للمجرمين والبعض منها أصبحت مرتعاً لإعداد الخمور؛ بالإضافة إلى تردي الطرق وعدم التنظيم، غير أن توجد كميات كبيرة جداً من القاذورات والنفايات والمياه المتراكمة؛ لعدم وجود مصارف في المنطقة فهذه البيئة بيئة متردية جداً، فبنطلب من المعتمد ووزير الصحة أن يقوم بجولة لمجمع الصناعات الغذائية والوقوف على الوضع المتدني فى المنطقة، بالإضافة إلى دائرة النيابة الموجودة فى المنطقة ضيقة جداً بنطلب من وزير العدل أن يعجل بزيادة نواب نسبة لكثرة البلاغات المتراكمة، وحتى تستطيع احتواء كمية المشاكل الموجودة في المنطقة لأن النيابة الموجودة حالياً لاتتناسب مع المنطقة نسبة لاتساعها.

تحقيق : أسماء ميكائيل اسطنبول
صحيفة التيار