رأي ومقالات

المرأة والأضحية


الإسلام هو الاستسلام لله والإنقياد له بفعل الطاعات واجتناب المنكرات والمحظورات ، فالله خلقنا لعبادته وحده لا شريك له ، قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، والأقوال كقراءة القرآن وذكر الله المشروع من التسبيح والتحميد والتكبير ، والأفعال كالصلاة والحج والنحر وتقديم الخير للناس . ويشترك في أداء العبادات الرجال والنساء جميعاً مع اختلافات يسيرة بينهما .

تعاني كثيراً من المجتمعات المسلمة في عالم اليوم من تداخل بين العادات والتقاليد والتشريعات الإسلامية ، وتجد في كثيراً من الأحيان تصادم بين العادة والعبادة ، في حين أن العبادة أمر رباني تستند على نصوص قرآنية وأحاديث شريفة وصحيحة وتترتب عليها ثواب وحسنات مضاعفات ، في حين أن العادة لا سند لها ولا يترتب على فعلها ثواب ؛ بل ربما يتريب على فعلها عقاب وثواب وغضبٌ من العزيز الجبَّار .

بين العادات والتقاليد والتشريعات الربانية نحتاج أن نرجع إلى مصادر التشريع في ديننا الحنيف ، في كل صغيرة وكبيرة ، وفي أي أمر في حياتنا وتعاملاتنا وأقوالنا وأفعالنا ، فالله أرسل لنا رسول رسم لنا الطريق ووضع لنا محددات وضوابط تنظيم حياتنا كلها منذ صرخة الميلاد الأولى وحتى مواراة الثرى ، وأوجب علينا أن نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ، وبالتالي فكل ما خالف أو تعارض مع جاءنا به الرسول صلى الله عليه وسلم يجب علينا رده والتحذير منه وتبصير الناس بخطره وتصحيح المسار رضي من رضي وسخط من سخط ! .

بعد أيام قليلة يقبل المسلمون على عبادة عظيمة من العبادات العملية والقلبية ، ومن العبادات التي يتساوى فيها المسلمون جميعاً ذكرهم وأنثاهم ، ألا وهي نحر الأضحية ، وحكمها الراجح سنة مؤكدة ، قال تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) ، وقال أيضا : (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَـلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ” ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر ، وضع رجله على صفاحهما ” صحيح البخاري (5558) ومسلم (1966) . وفضل الأضحية عظيم فمن الصحيح ما روى الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم ، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض ، فطيبوا بها نفساً .قال الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح: حديث صحيح .

النحر وذبح الأضحية عبادة وليست عادة ، وليست محصورة على الرجال فقط ، بل هي عبادة يشترك فيها الرجال والنساء ، سواء المتزوج أو العازب منهم ، والشرط الوحيد هو الاستطاعة المادية للمضحي ، بأن يكون ثمن الأضحية فاضلاً عن كفايته وكفاية من ينفق عليهم ، فإذا كان للمسلم راتب يأتيه كل شهر أو (معاش) وهذا الراتب يكفيه ، ومعه ثمن الأضحية ، شرعت الأضحية في حقه .ودل على اشتراط الغنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (من كان له سَعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا) رواه ابن ماجه ( 3123 ) وحسنه الألباني في ” صحيح ابن ماجه ” ، والسعة هي الغنى والاستطاعة . والشائع في مجتمعنا أن الأضحية مقصورة على الرجال المتزوجون فقط ، في حين أنها خلاف ذلك ؛ فهي عبادة عظيمة وأجرها كبير ، وعلى كل من يملك ثمن الأضحية بغير مشقة ولو بالأقساط أن يضحي تقرباً إلى الله ، وللمرأة أن تذبح أضحيتها بيدها إن كانت تجيد الذبح .

(لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) ، المقصد من كل العبادات تحقيق التقوى ، والتقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ، وهي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والإستعداد ليوم الرحيل .

وعلى كل من أراد أن يضجي أن يقصد بأضحيته التقرب إلى الله وأن يتخيَّر الأفضل والأحسن من البهائم ، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيب .

تقبل الله منا ومنكم صالح العمال وكل عام وأنتم بخير

*بقلم: عمر عبد السيد*


تعليق واحد

  1. الى المحرر ارجو التنبيه بأنه لا يمكن بتر جزء من ايه قرأنيه وتكملتها فى الصفحة الثانيه