تحقيقات وتقارير

وزارة المالية في دائرة الاتهام بالتقصير مشروع مصنع سكر السوكي.. الحلم الذي تبخَّر


فجأة ودون سابق إنذار قررت وزارة المالية إلغاء عقد تشييد مصنع سكر السوكي الذي وعد رئيس الجمهورية في زيارته للمنطقة في العام 2002 أن يغزو إنتاجه الأسواق في العام 2007، إلا أن تعذر تحقيق ما وعد به البشير لخمس سنوات لم يقتل الأمل في دواخل المواطنين الذين كانوا على ثقة أن المشروع سيرى النور وأن ثمة ظروف موضوعية حالت دون تنفيذ وعد الرئيس، لتمر السنوات وفي كل عام يقترب الحلم من الواقع بعد أن قطعت الدولة أشواطًا مقدرة في الإيفاء بوعدها، غير أن خطاباً بعثت به وزارة المالية في الرابع من شهر أغسطس من هذا العام الى الشركة الصينية المنفذة كشف عن تراجع الدولة عن تنفيذ المشروع بل طالبت برد مبلغ 16 مليون دولار، وهو الأمر الذي جاء وقعه مؤلماً على مواطني ولاية سنار عامة والسوكي على وجه الخصوص.
مراحل وخطوات
حسناً.. دعونا نتجاوز الكثير من التفاصيل التي حدثت قبل العام 2009 والذي شهد في السابع والعشرين منه فرز عطاء تشييد المصنع الذي كان يحمل أولاً اسم النيل الأزرق الى أن تم تحويله لاسم السوكي وهي المنطقة التي يقع عليها بولاية سنار وتقع شرق النيل وتمتاز بالأراضي الخصبة والمياه الوفيرة، وقد أثبتت كل الدراسات التي تم أجراؤها أن كل ظروف ومقومات زراعة وصناعة السكر متوفرة بالمنطقة، وقد رسى العطاء على شركة صينية لتصنيع معدات وآليات الإنتاج “المصنع” وتركيبها، وأوفت الحكومة بدفع هامش الجدية البالغ 16 مليون دولار الذي يعادل 10% من تكلفة تصنيع المعدات وتركيبها، وتوقع الجميع أن يمضي العمل حسبما مخطط له إلى بلوغه نهاياته.
عوامل مساعدة
وقد حدد للمصنع شرق مدينة السوكي على مسافة تقدر بخمسة كيلومترات من مدينة السوكي، وذلك لأن البنيات الأساسية لمشاريع الوفاق من طلمبات وقنوات رئيسية وفرعية تعتبر من أهم العوامل المساعدة التي لعب دوراً رئيسيًا ومميزاً في الموافقة على قيام هذا المشروع في هذه المحلية، وقد أكدت الدراسات والتجارب وكل المؤشرات أن المشروع يقع في المنطقة المسماة بحزام السكر بالسودان، كما أشارت التجارب من خلال المزرعة التجريبية لإنتاج التقاوى في المشروع أن الإنتاجية عالية جداً إلى حد يفوق كل مشاريع السكر بالسودان، وقد أكدت التحاليل التي أُجريت لتربة المشروع إلى جودة تربته لإنتاج قصب السكر، كما تتوافر بالمنطقة والمحلية الكثير من الأيدي العاملة المدربة وغير المدربة، مما يساعد كثيراً في اكتمال حلقات الإنتاج بالمشروع إضافة إلى العمل الزراعي في مزرعة القصب، حيث يتواجد أكثر من اثني عشر ألف أسرة من المزارعين ينتشرون في قرى ومدن ومجمعات المشروع الزراعي.
خطوات أخرى
لم يقتصر الأمر على توقيع العقد مع الشركة الصينية، فقد تزامنت مع ذلك خطوات أخرى من شركة السكر السودانية التي تم تكليفها بالإشراف على المشروع والتي لها خبرة كبيرة في هذا المجال ومضت أيضاً في إعداد دراسات أخرى تعلقت بإنتاجه المتوقع للإيثانول والطاقة الكهربائية، علماً بأن الطاقة التصميمية للمصنع تبلغ 150 ألف طن في الموسم، ومنذ العام 2009 فقد اكتملت كافة الدراسات الفنية والاقتصادية، وتم إجراء عمليات فحص التربة ودراسة تصميم المشروع الزراعي وإنشاء مزرعة التقاوي، وتم توقيع عقود للأعمال المدينة وكافة التفاصل والتحضيرات المطلوبة، وتقرر أن يتم التعامل مع أصحاب الأرض من المزارعين على ذات النسق الموجود بمصنع سكر الجنيد، ورغم تأخر وصول معدات المصنع من الصين إلا أن القلق لم يساور المواطنين الذين كانوا على ثقة أن حلمهم قد اقترب من التحقق.
تأكيدات
وما أكد على أن الحكومة جادة في تنفيذ هذا المشروع وتنزيل وعد رئيس الجمهورية على أرض الواقع، فقد أعلن المهندس أمين عثمان الشريف المدير العام لمصنع سكر السوكي في منتصف العام الماضي أن التكلفة الإجمالية لقيام المصنع بلغت 488 مليون دولار بما فيها قيمة أرض المشروع التي يساهم المزارعون فيها.
بداية العمل
ولم يكتف مدير المشروع بتحديد التكلفة وحسب، بل مضى في تصريحه متوقعاً أن يبدأ العمل في تركيب المصنع خلال الفترة المقبلة، ليبدأ في الإنتاج بعد ثلاث سنوات من التركيب، مشيراً إلى توقيع عقود إنشاء المصنع والأعمال المدنية وسداد مقدم العقود، واكتمال الدراسات الفنية والاقتصادية للمشروع، وأوضح المهندس أمين أن المصنع يأتي ضمن المشاريع الممولة من القرض الصيني لحكومة السودان، مبيناً أن مساحة المشروع تبلغ 60000 فدان وطاقته التصميمية 150000طن سكر أبيض في الموسم الواحد إلى جانب إنتاج 35 ميجاوات كهرباء إضافة إلى انتاج الإيثانول والأعلاف، وقال إن المؤشرات تؤكد أن إنتاج الفدان من القصب وفقاً للتجارب سيكون عالياً، متوقعاً أن يؤدي المصنع لنهضة اقتصادية واجتماعية بالولاية، ولكن رغم كل المجهودات التي تم بذلها خلال المرحلة الماضية والوعود التي تم إطلاقها نسفها قرار وزارة المالية بإلغاء العقد مع الشركة الصينية، وهذا ما جعل قيادات المنطقة يبدون سخطهم وغضبهم من الخطوة وعدم إحاطتهم علماً بمسبباتها.
متاريس وعقبات
وفي هذا الصدد يبدي عضو تشريعي ولاية سنار، محيي الدين آدم أبكر، حسرته على اتخاذ وزارة المالية قراراً وصفه بالخاطئ قضى بإلغاء عقد المصنع مع الشركة الصينية، ويكشف في حديث لـ(الصيحة) أن آمالهم كانت عريضة وسقف أحلامهم لامس عنان السماء بأن مصنع سكر السوكي سيتحول إلى حقيقة وأن المنطقة موعودة بتنمية غير مسبوقة، وقطع بأنهم لم تساورهم شكوك أو ظنون بأن الحكومة ستتراجع عن هذا المشروع، وأن إيمانهم كان قاطعاً بإيفاء وزارة المالية بالوعد الذي قطعه رئيس الجمهورية، مبيناً أن إجراءات المصنع واجهتها بعض المتاريس ولكن رغم ذلك تمسكوا بالأمل حتى تمكنوا من تجاوزها.
عدم معرفة
ويؤكد عضو تشريعي سنار عدم معرفتهم باتجاه وزارة المالية لإلغاء العقد مع الشركة الصينية ومطالبتها بإعادة المبلغ الذي دفعته، وقال إن الوزارة تجاهلت أهل الشأن تماماً ولم تبلغهم بخطوتها هذه، ولم تقدم لهم توضيحات، وقال إنهم بوصفهم نوابًا للمواطنين في المجلس التشريعي الولائي والمجلس الوطني كثيراً ما بشروا المواطنين بهذا المشروع والذين تعلقت قلوبهم به وكانوا على ثقة أنه سينقل شرق سنار عامة والسوكي على وجه الخصوص إلى مرحلة عالية من الرفاهية، ونفى محيي الدين أبكر معرفة قيادات الولاية بمن فيهم الوالي بأسباب إلغاء العقد مع الشركة الصينية، وقال إنه ليس أمامهم حل غير الجلوس مع رئيس الجمهورية لإبلاغه بنقض وزارة المالية للعقد وعدم حرصها على تنزيل وعده الذي قطعه للمواطنين في السوكي عام 2002.
تبدد الثقة
أما عضو المجلس الوطني الدكتور عبد الجليل عجبين فقد أشار إلى أن مصنع السكر كان بمثابة الحلم لمواطني السوكي لأنه كان سينقل حياتهم من التقليدية والفقر الى الرفاهية والأوضاع التي تتوفر بها كل مقومات الحياة، بل اعتبر في حديث لـ(الصيحة) المشروع بمثابة الأمل بالنسبة لهم، كاشفاً إجراءاته مضت بصورة جيدة ولم تلح في الأفق أي بوادر باعتزام الحكومة التراجع عن تنفيذ المشروع، وقال: كنا على ثقة تامة أن المشروع ورغم التأخير الذي شاب بعضاً من إجراءاته إلا أنه لم تساورهم ظنون وهواجس تذهب ناحية إلغائه وتراجع الحكومة عنه، غير أننا فوجئنا وفي خطوة لم نحط بتفاصيلها علماً بخطاب وزارة المالية للشركة الصينية الذي طلبت من خلاله إلغاء العقد وإعادة مبلغ الستة عشر مليون دولار، مبدياً دهشته من هذه الخطوة التي وصفها بالأحادية من جانب وزير المالية، وذلك لعدم إحاطته علماً عدداً من الجهات بتفاصيلها ومنها وزارة الصناعة والمجلس الوطني وحكومة الولاية بالإضافة إلى أهل المنطقة، وقال إنهم ما يزالوا في طور التحقيقات والاتصالات لمعرفة دواعي إلغاء العقد مع الشركة الصينية.
معجزة
ويشير الناشط نبيل نصر الدين محمد طه إلى أن مواطني السوكي وقرى تيرات وشاشينا والله معانا وأبو قرع وأبو البنات وحلة سعيد ومينا وحلة يوسف والمجموعة والآبار جميعها، أصيبوا بخيبة أمل كبرى بداعي إلغاء وزارة المالية للعقد مع الشركة الصينية، معتبراً وجود قادة من شركة الوفاق بإدارة مصنع السكر من الأسباب التي أسهمت في تأخير تنفيذ المشروع وربما إلغاؤه لجهة أن إنشاء المصنع بالسوكي يعني إلغاء وجودهم تماماً وانتفاء مصلحتهم في المشروع الزراعي وشركة الوفاق التي يعتبرونها ملكاً خاصاً لهم رغم أن الحقيقة تقول بخلاف هذا، ويكشف نبيل عن تصريح لأحد مهندسي شركة الوفاق أكد أن مجلس الإدارة يرفض قيام مصنع السكر لإنهم يريدون استثمار أراضي المشروع، ويرى أن اختيار مواطني المنطقة لنائب مستقل في البرلمان القومي رغم كفاءته ونزاهته وصدقه إلا أن هذا لم يصب في مصلحتهم ويعتبر وجوده خصماً على مشاريع التنمية بالمنطقة، مؤكداً أن قيام مصنع السكر بعد إلغاء العقد مع الشركة الصينية يحتاج إلى معجزة.
عدم احترام
يبدو القيادي البارز محمد الحسن الباهي الذي بذل مجهودات مقدرة لتحول فكرة مصنع السكر إلى واقع، عاتباً على وزارة المالية، ويرى أن عدم إبلاغها أهل المنطقة وقيادتها باعتزامها إلغاء العقد مع الشركة الصينية يعتبر تهميشاً وتجاهلاً يثير في النفس الكثير من المرارات والغضب، ويؤكد في حديث لـ(الصيحة) عدم احترام وزارة المالية لحكومة ولاية سنار ومواطني السوكي، وأضاف: كان على وزارة المالية إحاطتنا علماً بدواعي أسباب إلغاء العقد وذلك من باب الاحترام للذين اجتهدوا لسنوات وروادتهم أجمل التمنيات بأن يتحول حلمهم إلى واقع، لكن للأسف وزارة المالية لم تتكرم بإحاطة ولو حكومة الولاية علماً بخطوتها التي لا يوجد لها تفسير، وقال إنهم بوصفهم قيادات المنطقة كثيرًا ما بشروا المواطنين بالمشروع الذي وجد تجاوباً كبيراً من قبلهم فلم يفكر أحد بتعويض ولم يخرج صوت معارض لقيام المصنع، وكان الجميع يمنون أنفسهم بأن تشهد المنطقة نهضة حقيقية وازدهاراً، ويقول الباهي إن جهدهم الذي ظلوا يبذلونه لعقدين من الزمان ضاع سدى دون توضيحات من وزارة المالية.
إحباط
وحول عدم سعيهم لمعرفة أسباب القرار أكد الباهي أن الإحباط تسرب في نفوس كل قيادات المنطقة بالعاصمة، وأن المواطنين بالسوكي أصيبوا بصدمة كبيرة لأنهم لم يضعوا في حسبانهم أن تتراجع الحكومة عن الإيفاء بوعد قطعه رئيس الجمهورية على رؤوس الأشهاد في احتفال ضخم وغير مسبوق شهدته المنطقة قبل أربعة عشر عاماً، متخوفاً من الإحباط الذي يسيطر على المواطنين بالسوكي والذي اعتبره مؤشراً خطيراً وأن على الدولة العمل على تبديده بشتى السبل لأن السوكي ظلت من أبرز مناطق البلاد التي تشهد استقراراً كاملاً وداعمة لكل أطروحات الحكومة، مبدياً حسرته على الجهود التي بذلوها لإقناع المواطنين طوال عشرين عاماً، وقال: “بعد قرار وزارة المالية الأخير، بالتأكيد سيعتبرنا المواطنين كذابين”.

الصيحة


‫2 تعليقات