منوعات

أوقفوا زواج الاغتصاب!


لم أكن أتصور أن ما يُسمى بالعادات والتقاليد لا تزال تحتل عقول الناس، وتسيطر على حيواتهم بصورة تعكس مدى جاهليتهم وتعصُّباتهم النّتنة، خاصة ونحن نعيش في العقد الثاني من القرن الحادي وعشرين (عصر عمّال المعرفة)، ومدى التأثير الذي تُخلّفه تلك العادات والتقاليد على الناس وحياتهم الاجتماعية، مقارنة بالمنهج القرآني والفقه النبوي الكريم، اللذيْن كانا اللبنة الأساس في بناء المجتمع المدني، على أن بعضاً من العادات والتقاليد مقبولة ومحمودة ولا تتعارض مع المقاصد والغايات، غير أن من أمقتها وأقبحها في مجتمعاتنا تلك التي ما زالت تُراوح مكانها وتصر على أن تختزل الأنثى في صورة جسدية مجردة!

وكعادتي لا أطوّل في المقدمات، أقول بأن إجبار الفتاة على الزواج من شخص لا ترغبه ولا تحبه أو على الأقل لا تستلطفه لهو ظلم مرير، وفيه انتهاكٌ صارخ لمعنى الحرية الإنسانية، ومصادرة لإحدى أهم ملكات الشخصية في الإنسان “مَلَكَة الإرادة”، وهذا الإرغام الذي يتخفّى تحت ستار عادات الموروث الأجدادي -عادة إرغام الفتاة على الزواج من ابن عمها- يتجاهل الفتاة كطرف أساسي في عقد الزواج، ويُحوّلها إلى مجرد سلعة وأداة استهلاكية يدفعها في نهاية المطاف لأن تقوم بدور ميكانيكي مادي بحت، دون أدنى اعتبار لكينونتها الوجدانية وأنثويتها ورحموتها المشاعري!

الأمثلة كثيرة والوقائع أليمة، والشواهد تدل على أن مثل هذه العادة تقود إلى زيجات فاشلة تنتهي بالتعاسة، والعجيب أن مُسوّغات إجبار الفتاة على الزواج من ابن عمها غير منطقية لا في ميزان العلم، ولا الإنسانية، ولا حتى في ميزان الفقه النبوي، ومن مبررات هذا الإكراه أن لا تُزوّج الفتاة خارج العائلة بحجة أن ابن العم أولى بابنة عمه لمجرد أنه ابن عمها وابن عائلتها والأقدر على صيانتها، وهو الذي تربّي معها..

كما أن أحد التبريرات الكارثية غير الإنسانية والتي أعتبرها كذبة مفضوحة، أن يصبح رضا الوالدين وسعادتهما مرهوناً بموافقة ابنتهما المُكره على شخص لا تريده، وغيرها من التبريرات التي لا جذر لها في قاموس الحضارة الإنسانية!

ولكن ثمّة كثيراً من التساؤلات يطرحها كل ضمير حي، وهي تساؤلات مشروعة قد أجابت عليها وقائع الحياة وتجاربها المتكررة، هل مثل هكذا زواج -والذي هو في وضعه الطبيعي والصحي عقدٌ على التأبيد- هل يجوز له أن يتم برضى طرف دون الآخر؟ وكيف ستكون شكل تلك الحياة الزوجية؟ وما هي النتائج والآثار النفسية والمجتمعية المترتبة على ذلك؟ أين مفهوم الحب والمودة والرحمة والسَكَن من تلك العلاقة الزوجية؟ وأين قوله صلى الله عليه وسلم “الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف”؟ وكيف يقبل الشخص على نفسه الارتباط بشخص آخر لا يرغبه؟ هل ستصبح الخيانة الزوجية حينها مشروعة وبالتالي ولات حين مندم؟ أم أن الحكمة تقتضي فهم مبدأ الزواج واشتراطاته في ضوء المنهج المتكامل- القرآن وما صح عن المعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم- ومن ثم السير في الدرب بسلام!

الموقف النبوي والزواج المُكره

للتوضيح لا بد أن أؤكد على مسألة غاية في الأهمية، وهي أنه ليس كل ما ورد عن محمد صلوات الله عليه صحيحاً، إلا إذا كان منسجماً متّسقاً مع روح ورحمانية القرآن الكريم، وبالتالي فإن معيار الصحة في الفقه النبوي هو مدى انسجاميته مع كتاب الله عز وجل، بعيداً عن الفقه التقليدي الأصولي الذي يصادر حريات الناس باسمه!

ومن أهم مرتكزات كتاب الله الجوهرية، أنه نادى بمنظومة قيمية وأخلاقية تمكّن لاستخلاف الإنسان في الأرض ومن ثم التعمير فيها بعلوم العقل، لكن مما لا شك فيه أن أهم قيمة نادى بها الرحمن هي قيمة الحرية، وأنه منح الإنسان مطلق الحرية والإرادة حتى في مسألة الإيمان والكفر به، وقعّد كل ذلك من خلال قوله جل في علاه “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”، ومن هنا لا بد أن نعي كيف تعامل منطق رسول الله مع مثل هذه الحالات من الزواج، حيث إنه رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاح بكر وثيب أنكحهما أبوهما وهما كارهتان “وهذا يؤكد وبشكل قاطع على أن رسول الله قد أبطل نكاحهما، كما اتفق أيضاً لابن عباس أنه قال “قيل للنبي صلى الله عليه وسلم عندنا يتيمة خطبها رجلان -موسر وفقير- ونحن نريد لها الغنى، وهي تهوى الفقير، فقال: زوجوها بمن تحب، فإنه لم ير للمتحابَين مثل النكاح”

وفي الحديث إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث نقاط هامة:

1- لا يجوز أن تَتزوَّج أو أن تُزوَّج لا بكر ولا ثيّب إلا برضاها التام، وهذا يعني أن يكون هناك مقبولية واستلطاف بين الطرفين كليهما وليس لطرف دون الآخر، وهذا يعتبر أحد الاشتراطات الرئيسية في الزواج، وإلا فالزواج باطل أبطله النبي.

2- إقرار واعتراف واضح من النبي صلى الله عليه وسلم، بحب تلك الفتاة اليتيمة لذاك الشخص الفقير ولم ينكره، بل وأمر بتزويجها بمن تحبه بغض النظر عن وضعه المادي.

3- تأكيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم على أن الزواج هو وعد الأمان للمتحابيَن، وهو الحاضنة الصحية والوحيدة لاستدامة الحب بين اثنين يبتغيان رضا الله.

خلاصة وخاتمة

لابد أن نعترف أن مجتمعاتنا العربية مجتمعات ذكورية، كما أن من أسباب الخلل في وعينا التربوي والاجتماعي، ذلك الفهم القاصر للقيم معنى وممارسة، بالإضافة إلى جانب الضعف في فهم الأحكام الشرعية وربطها بالقيم “أحكام القيمة”، هذا بدوره أسّس لعقلية اجتماعية رجعية، وعقلية دينية أصولية، وكلاهما يعيش ويتغذى على فكرة “إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ” وهذه العقلية بطبيعتها منسوخة وتقاوم وترفض كل تغيير، وهي حتماً لن تستطيع الصمود في وجه التغيرات المتسارعة في عالم “القرية الصغيرة” اليوم.

أعود لأقول إن هناك أيضاً خللاً كبيراً في فهم معنى الحب، وإن الصورة النمطية السائدة عن الحب هي صورة اختزالية جنسية شهوانية، وهذه الصورة جعلت من الزواج العدو الأول للحب، على عكس موقف النبي الكريم منه وكيف تصرف بإزائه، وهي رسالة نبوية لكل الآباء والأمهات بعدم الانجرار وراء منطق الإجبار وإكراه البنات على ما لا يردن.

وإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال هندسة مشاعر الناس بالمنطق الإكراهي، وأن المنطق النبوي يُبطل زواج الإكراه، وما بني على باطل فهو باطل، وزواج الإكراه حينها يستحيل إلى اغتصاب باسم وثيقة بائسة عجزت عن خلق حالة حب وانسجام بين زوجين!

هافغنتون بوست


‫2 تعليقات

  1. كلمة حق يراد بها باطل …. نعم الزواج فى الإسلام يجب اخذ موافقة الطرفيين
    فالزواج بالغصب يشمل الرجال والنساء هل اخذت موافقة الرجل عندما رضخ لضغط الاهل وفرضت عليه بنت عمه؟ قال مجتمع ذكورى قال…… حتقولوا ممكن يتزوج اخرى وده موضوع مختلف

    مقال حاقد على الاسلام صاحبه جاهل بالإسلام ويخلط فى الامور ليس هناك حرية فى الايمان والكفر بالمعنى الذى وصفه
    قال تعالى “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) ”
    كما قال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه [ وهو في الآخرة من الخاسرين ] )

    الحب يعنى المودة والاحترام المتبادل ورعاية الشئون والقيام بالوجبات من قبل الطرفين كما اقرها الشرع
    من ينظر للحب انه جنس وشهوة هو المجتمع الغربى وليس الإسلام

  2. ي أنه ليس كل ما ورد عن محمد صلوات الله عليه صحيحاً، إلا إذا كان منسجماً متّسقاً مع روح ورحمانية القرآن الكريم، وبالتالي فإن معيار الصحة في الفقه النبوي هو مدى انسجاميته مع كتاب الله عز وجل، بعيداً عن الفقه التقليدي الأصولي الذي يصادر حريات الناس باسمه!
    هل هناك قول ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم غير متسق مع رحمانيه القرآن أم تريد أن تنفي الأحاديث النبوية