تحقيقات وتقارير

الصادق المهدي بالقاهرة.. تطاول أمد البقاء


المهدي لن يعود للسودان ليشهد عيد الأضحى قريباً من قواعد حزبه، ليمضي عيداً رابعاً وهو خارج البلاد بعد تطاول أمد غيابه في وقت توقع فيه كثيرون أن يحزم الرجل حقائبه من قاهرة المعز قاصداً معقله بود نوباوي بعد توقيعه لما عرف بخارطة الطريق، التي أخذت وقتاً ليس بالقصير ظل المهدي كما آخرين رافضاً للتوقيع عليها، حتى رسخ في الأذهان وبحسب ما يقول المهدي نفسه أن البقاء لأجل إنجاز مطلوبات محددة تتعلق بعمل المعارضة التي شارك فيها فيما عرف باتفاق “نداء السودان” الذي وقعه بباريس مع الحركات المسلحة وتنظيم “الجبهة الثورية .

خروج متطاول
قبل نحو عامين خرج رئيس حزب الأمة القومي وزعيم طائفة الأنصار الأمام الصادق المهدي من البلاد مغاضباً، في ذلك الوقت لا أحد من المراقبين ولا أنصار المهدي وكوادر وقواعد حزبه كان يتوقع أن يتطاول أمد اعتكافه بالعاصمة المصرية الأثيرة إلى نفسه إلى يومنا هذا، وها هو العيد الرابع سيمر على الرجل وهو خارج البلاد، وبحسب ما قال نائب رئيس حزب الأمة القومي اللواء “م” فضل الله برمة ناصر الذي تناقلت الأنباء قوله بأن المهدي سيقضي عيد الأضحى بقاهرة المعز ليكون هو العيد الرابع على التوالي الذي يقضيه المهدي خارج البلاد، وهو القول الذي شكل علامات استفهام عديدة عن سبب بقاء المهدي خارج البلاد، خاصة بعد توقيعه على خارطة الطريق التي كانت أحد أهم الأسباب التي جعلته يؤجل عودته لحين التوصل لاتفاق حولها وهو ما تم بالفعل ووقعت عليها المعارضة والحكومة في مراسم مشهودة بالعاصمة الأثيوبية “أديس أبابا” قبل نحو ثلاثة أسابيع.

لماذا بالقاهرة
غير مرة وفي أكثر من حديث للزعيم الأنصاري يؤكد المهدي أن بقاءه بالقاهرة لأسباب محددة، ويلقي الرجل قوله دون تحديد موعد قاطع لعودته للخرطوم، والرجل قال غير مرة أن موعد عودته للخرطوم لم يحدد بعد، وأوضح أنه سيبقى في القاهرة ليس من أجل السياحة لكن من أجل تنظيم اتصالات واسعة النطاق مع جهات كثيرة وذلك حسبما نص عليه إعلان باريس وأوضح أن وجوده في القاهرة سيكون أصلح محل للقيام بهذه الاتصالات لإفهام كافة الأطراف الإقليمية والدولية ومباركتهم لإعلان باريس وأكد أن تأخيره في القاهرة ليس خوفاً من الاعتقال في الخرطوم لأن الاعتقال كما يقول المهدي هو رأس مال سياسي للمعتقل، مشيرًا إلى اعتقاله السابق الذي وصفه بالضارة النافعة، وهو أمر مفهوم بحسابات السياسة فما من كادر سياسي وإلا أكسبته أيام السجن تجارب وخبرات قويت عوده وشكلت له رصيداً للنضال.

سوابق الخروج
الثابت أن المهدي أمضى دهراً من عمره وهو خارج البلاد، وكثيرة هي الأسباب التي دفعته للخروج، غير أن أول تواجد للإمام فى قاهرة المعز بسبب الظروف السياسية كان في فاتحة أبريل 1970م، حيث اتفق الرئيس الراحل نميري مع الرئيس جمال عبد الناصر على إبعاد المهدي إلى القاهرة بعد أن أصبح يشكل خطرًا على النظام، فتمت استضافته في القاهرة لما يزيد عن العام، وبعد محاولة انقلاب هاشم العطا ساءت العلاقة بين السادات والنميري لأن قيادة مايو اتهمت السادات بالوقوف مع الروس، فناصب السوفيت العداء واتجه للأمريكان مما تسبب في إحراج كبير للسادات وكان توتر العلاقة ذلك سبباً في قرار الرئيس المصري حينها الذي أسفر عن فتح حوار وتفاوض مع المهدي وحزبه، وبعد أن خرج المهدي من اعتقاله في أبريل من العام 1974م ظل متنقلاً بين القاهرة والرياض وطرابلس ولندن وروما وعواصم أخرى، وكان يقابل أبناءه في تلك الفترة بمصر .

بقاء متطاول
يشير أستاذ العلوم السياسية د. عبده مختار إلى أن غياب رئيس أي حزب عن قواعده أمر من شأنه إحداث تأثير سلبي على الحزب المعني، وينوه مختار إلى أن البنية السياسية التي تقوم عليها الأحزاب تتطلب وجود القيادة بشكل لصيق لمتابعة كافة القضايا المطروحة على الساحة عن قرب وليس من منصات خارجية، وهو يؤكد على أن تلك هي من المسلمات المفترض حدوثها غير أن المطبق بكثير من الأحزاب بالبلاد يتنافى مع هذه الجزئية، برغم إشارته إلى منطقية الدواعي التي يقول بها الإمام في تبرير بقائه بالخارج لمدد تربو على عامين بتمامها وكمالها ليس في صالح حزبه، وقد تكون سانحة لخصومه للنيل منه.

وعن موقف الحزب عقب توقيعه رسمياً على خارطة الطريق مؤخراً، يرى مختار أن الحزب يدرك تماماً ما يترتب على الخارطة الموقعة من التزامات وعليه الوفاء به مثلما ينتظر الحكومة أن تفي بمستحقاتها وبنودها، وتنفيذها وإنزالها على أرض الواقع لإثبات جدية جميع الأطراف الموقعة على خارطة الطريق في الوصول إلى ولو لجزء يسير من التوافق السياسي كمرحلة تمهيدية لمعالجة مشكلات البلاد .

وفي تعليق مقتضب، يرى الأمين العام لحزب الأمة القومي الفريق صديق محمد إسماعيل أن مسألة الإمام بالقاهرة معروفة لأسباب محددة، وأن ميقات عودته للبلاد سيعلن في حينه، مكتفياً بما صدر عن الحزب في اليومين الماضيين من تأكيدات بقضاء الإمام عيد الأضحى بالقاهرة، وأما عودته النهائية فشأن لم يفصح عنه .

ترقب العودة
وفي الشهور الماضية وبعيد امتداح المهدي لتوصيات الحوار الوطني وإبداه آراء رأتها الحكومة إيجابية وحينها تحدثت تقارير عن قرب عودة الرجل للبلاد، ووصلت التكهنات لحد بروز آراء تشير لرغبة الحكومة في إرسال وفد رسمي إلى القاهرة لإجراء مشاورات مع السياسي العتيق لإقناعه بالعودة وممارسة نشاطه السياسي من داخل بلاده، غير أن الأمر لم يسفر عن جديد وظل الرجل في القاهرة.

الملاذ الآمن
ما هو ليس بخفي على أحد أن الحكومة والمهدي، وإن شئنا الدقة في التوصيف ” الإنقاذ وحزب الأمة ” ظلا على علاقة تتفاوت وعلى مدى سنوات مداً وجزراً، فتارة هو وإن بمعارضة من رجال بحزبه، ينسج خيوط التلاقي مع حكومة الإنقاذ لحد بروز تيارات داخل حزبه تصف منهج تعاطي الرجل مع الحكومة التي اقتلعته ونظام حكمه صبيحة يوم من شهر يونيو قبل 27 عاماً، وتارة هو معادٍ لها أي الحكومة، ويجاهر بمناصبتها العداء، وقال في ذلك ما قال، والإرشيف يشهد، وقرب الرجل من الحكومة جر عليه من طائفة مقدرة من قواعد وكوادر الحزب سخطاً وتبرماً غير منكورين.

وكما الحال منذ العهد المايوي، ظلت القاهرة أفضل المدن الآمنة التي يلجأ إليها المهدي بعد مجيء حكومة الإنقاذ وما انفك يتردد عليها حيناً بعد آخر، حتى رسخ في الأذهان أن عاصمة بلاد الفراعنة هي الأثيرة إلى نفس المهدي، ويشاركه في هذه الصفة صنوه زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي ظل يتردد كثيرًا على القاهرة سواء عابراً أو مستقراً، وإن بقي في سنينه الأخيرة بعاصمة الضباب.

وإبان مرحلة التجمع الوطني الديمقراطي عقب خروجه في عملية (تهتدون) أقام المهدي في القاهرة أكثر من أسمرا، حيث كانت ترافقه في ذلك الوقت ابنته رباح، أما ابناه بشرى ومحمد أحمد فقد التحقا بالكلية العسكرية في مصر بتلك الفترة كما التحقا بجيش الأمة وبعد التطورات التي شهدها حزب الأمة والاختراق الذي له عبر مجموعة الإصلاح والتجديد وما أعقب ذلك من مؤتمرات وصراع مع السلطة ووقع الإمام إعلان القاهرة مع الدكتور جون قرنق والسيد محمد عثمان الميرغني فى مايو 2003م تعرض بعدها لهجمة قوية غادر على إثرها الإمام إلى القاهرة وظل بها نحو ستة أشهر.

الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. الرجل يطالب بالديمقراطية وتتداول السلطة في الدولةوهو مكنكش في رئاسة الحزب اكثر من خمسين سنه العارف يفسر لينا؟