تحقيقات وتقارير

من قارعة الطريق لحظات الوداع


رغم رغبة وتزايد أعداد المغتربين والمهاجرين بعداً عن الوطن، فإن البعض (يتجرس) عند مغادرة البيت والأولاد. وليس غريباً أن يتحاشى المسافر المقابلة الأخيرة بالهرب والتسلل من المنزل بعدة طرق، منها ما تكون مفاجئة لحد الدهشة حتى لأقرب الأقربين وأعز عزيز!
كم من صور درامية وتراجيدية في لحظات الوداع؛ لكن كل العزاء في أنها تدل على الرحمة والتراحم والحب العميق والود المتبادل. صحيح أن البعض يصبر ويصمد عند الفراق؛ وهو يودع أهل بيته واحداً تلو الآخر بكل هدوء وثبات؛ لكنه في الداخل قلب يتمزق(وكبده ترتجف) كما يقولون. وإذا كانت أشهى وأحلى اللحظات للمغترب هي التي يلاقي فيها أهله؛ وقبل ذلك نشوة الترتيب للسفر للبلد والبلدة والأسرة؛ حتى أن أشواقه الدافقة تسبقه إلى الديار ورائحة أهلها. فإنه بالمقابل يكون ألم الفراق معاناة لا تحتمل؛ لكنه يتم تحملها على كل حال، وما يجبر على لعق المر هو الشيء الامَرَّ منه. أحباب وأصحاب يودعهم ويودعونه قد لايرى بعضهم مرة أخرى؛ أو لا يرونه – لا قدر الله.

في المجتمعات والبلدان المختلفة تبدو لوعة الفراق مشتركة وواضحة المعالم وإن تفاوتت، وقد عبر عنها الأدباء والشعراء نثراً ونظماً. واختلاف العاطفة بين الجنسيات المختلفة لا يفسد إنسانيتها ومعناها العام. وفي العاطفة الجياشة بعض الرجال شقائق النساء. ومن النساء من هن صوابر، كم من الرجال من هم (جرسة) أكثر من النساء!.

قبل أسبوع كان أحدهم يهاجر لأول، (فتجرس) جداً رغم أنه شاب (على عنقرته) والمستقبل أمامه واعد، أما أمه (المفجوعة) لسفره صارت تصبره ونسيت نفسها؛ وهي تحاول التهدئة من روعه؛ فقد أقام مأتماً وعويلاً وهو يحتضن أصغر إخوانه وأمه معاً.
مغترب آخر وفي إجازته الأخيرة – مثل كل إجازة – كان يحاول الزوغان من كل أفراد أسرته خاصة أطفاله؛ فأراد (توزيعهم) وأرسلهم لجلب ثلج من الجيران حتى يهرب في غيابهم؛ فعلموا “بالتوزيع” بفطرتهم وقرائن الأمور؛ لكن حلف لهم بالقسم المغلظ ألا يغادر البيت ألا بعد أن يشرب العصير، فصدقوه وخرجوا فخرج حالاً بعد أن تناول العصير بلا تلج ! فصاحبنا لم يكذب؛ لكنه تجمّل واحتال.
مهما يكن فإن للناس إبداعات وفنون عند مغادرة البيوت إلى السفر، بالمناسبة النحيب والدموع يكون حتى الوداع الأخير مع باب المطار، أظن لو وجد الناس فرصة لودعوا ابنهم او ابنتهم حتى سلم أو باب الطائرة!!.

صحيفة التيار