تحقيقات وتقارير

الجامعات السودانية … الكمية تطغى على الكيفية.. إعادة نظر


بالقرب من شارع البرلمان تجمع ثلاثتهم وارتفع صوتهم بحدة وهم يطالعون إحدى الصحف التي أوردت خبراً على لسان وزيرة التعليم العالي سمية أبو كشوة يفيد بحاجة الوزارة للمزيد من الجامعات، الأمر الذي زاد من حدة النقاش.
عمر وياسر ومصطفى خريجو كليات مختلفة اجتمعوا وتعارفوا أثناء بحثهم عن وظيفة تلبي طموحاتهم، ولكن خابت مساعيهم وكانت النتيجة الحتمية الفشل الذريع حالهم حال جميع الخريجين،(35) جامعة حكومية (90) من الجامعات الأهلية والخاصة و(19) من الكليات التقنية.

أرقام كبيرة
كم هائل من المؤسسات الجامعية تخرج الآلاف على مدار العام، بعضها مشكوك في شهاداتها خاصة عندما تتم المفاضلة في الوظائف، وبحسب الوزيرة فإن الحاجة إلى كليات جديدة وجامعات وتخصصات يمضي باتجاه مجاراة العالم الذي تطور كثيراً وكل ما ارتفع العدد زاد الإقبال، في السياق يقول المذيع بإذاعة جامعة الخرطوم وأحد خريجيها علي محمد نور: في تقديري لسنا في حاجة لكليات جديدة، إلا بعض التخصصات غير الموجودة في جامعاتنا، وأضاف : ما نريده حقاً تطوير الكليات الموجودة ومدّها بالمتطلبات المرجوّة، وهذا أفضل من إضافة كلية جديدة وإن كانت غير موجودة أصلاً، وأردف : أن نخرّج طالباً متخصصاً أفضل من تخريج ثلاثة في كليات مختلفة غير متخصصين وغير ملمين بما درسوا بجانب تطوير البيئة الجامعية لرفد المجتمع بالكفاءات إن توفرت، وتدريب هيئة التدريس لتصبح قادرة على صنع جيل مبدع وخلاق.

استقلالية الجامعات
وبالنسبة لبروفيسور مهدي أمين التوم أستاذ سابق بجامعة الخرطوم فإن أحلام عودة الجامعات السودانية إلى مواقعها المتقدمة في العالم والإقليم ولكن لتحقيق ذلك الحلم متطلبات ليست عصية التنفيذ إذا رفعت الدولة يدها القابضة عن الجامعات، وتركتها تنمو وتتطور ذاتياً في جو صحي معافى، تحت ظل قانون يحمي حرية الجامعات الأكاديمية واستقلالها الإداري والمالي ،وأضاف : الجامعات كائنات حية تنمو وتزدهر إذا كانت البيئة المتاحة تتفهم طبيعة الجامعة كمؤسسة هدفها استشراف المستقبل، والمساهمة الفعَالة والإيجابية في تطوير المجتمعات وتقدم العلوم.

أهمية التأهيل
حديث وزيرة التعليم العالي بالحاجة إلى زيادة الجامعات والكليات يتنافى تماما مع ما يحلم به مهدي أمين التوم بإصلاح هيكلية التعليم العالي ومخرجاته وذلك يتمحور في الدعوة للإبقاء على عددٍ مناسب ومحدود من الجامعات الحكومية القومية، لا يتعدى السبع هي: الخرطوم والسودان للعلوم والتكنولوجيا، وأم درمان الإسلامية، الجزيرة، البحر الأحمر، غرب السودان وشمال السودان، ويكون القبول فيها قومياً خاضعاً للمنافسات العامة، بجانب الحلم برؤية جامعات قومية شامخة ومؤهلة، تطلعاً لتحسين نوعية المخرجات من تلك الجامعات، فالتعليم العالي بطبيعته يجب أن يقتصر على المتميزين لتصبح الجامعة مكاناً للانطلاق بهم نحو آفاق العلم الفسيحة والمتقدمة فهي ليست دوراً لترميم ثغرات تعليمهم العام بتضييع الوقت في أبجديات علمية، أو في تكرار يتطلبه انخفاض المقدرات الاستيعابية لطلاب حملتهم ثورة التعليم العالي للجامعات بدون وجه حق فكانوا في النهاية مخرجات لا تشرف السودان، وربما لا يصدق الكثيرون أن بعض هؤلاء الخريجين يخطئ حتى في كتابة اسمه أما كيف يحدث ذلك فاسألوا لوائح الامتحانات بالجامعات فهي في معظمها أصبحت تتمحور حول تمكين الراسبين من التقدم في سنوات الدراسة لأن (الكم) في نظر الدولة أصبح بكل أسف أهم من (الكيف) والمحافظة على الأمن الطلابي أهم من المحافظة على الأكاديميات.

الخرطوم ـ عرفة وداعة الله
صحيفة اليوم التالي